شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب عمود الفسطاط تحت وسادته

          ░24▒ بابُ عَمُودِ الفُسْطَاطِ تَحْتَ وِسَادَتِهِ وَدُخُولِ الجَنَّةِ فِي المَنَامِ.
          فيه: ابنُ عُمَر: (رَأَيْتُ في الْمَنَامِ كَأَنَّ في يَدِي سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ، لَا أَهْوِي بِهَا إلى مَكَانٍ في الْجَنَّةِ إِلا طَارَتْ بِي(1) إِلَيْهِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبيِّ صلعم، فَقَالَ: إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ). [خ¦7015] [خ¦7016]
          قال المهلَّب: السَّرَقة الكِلَّة وهي كالهودج عند العرب، وكون عمودُها في يد ابن عمر دليل على الإسلام وطُنْبُها الدَّين والعلم بالشَّريعة الَّذي به يرزق التَّمكُّن مِن الجنَّة حيث شاء، وقد يعبَّر هنا بالحرير عن شرف الدين والعلم لأنَّ الحرير أشرف ملابس الدُّنيا، فكذلك العلم بالدِّين أشرف العلوم، ودخول الجنَّة في المنام يدلُّ على دخولِها في اليقظة لأنَّ مِن بعض وجوه الرُّؤيا وجهًا يكون في اليقظة كما يرى نصًّا، وقد يكون دخول الجنَّة أيضًا دخول الإسلام الَّذي هو سبب الجنَّة، فمَن / دخلَه دخل الجنَّة كما قال تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي. وَادْخُلِي جَنَّتِي}[الفجر:29-30]وطيران السَّرَقة: قوَّة يرزقُه الله على التَّمكُّن مِن الجنَّة حيث شاء كما في الخبر عن جعفر بن أبي طالب أنَّه أكرمَه الله بأن جعل له قوَّة على الطَّيران في الجنَّة، وفي خبر آخر: ((إِنَّمَا نَسْمَةُ المُؤْمِنِ طَائِرُ يَعْلُقُ مِنْ شَجَرِ الجَنَّةِ)).
          وسألت المهلَّب فقلت: كيف ترجم البخاري: باب عمود الفساط تحت وسادته، ولم يذكر في الحديث عمود فسطاط ولا وسادة؟ فقال لي: الَّذي يدل عليه الباب ويقع بنفسي(2) أنَّه رأى حديث السَّرَقة أكمل ممَّا ذكرَه في كتابِه، وفيه أنَّ السَّرَقة مضروبة في الأرض على عمود كالخباء، وأنَّ ابن عمر اقتلعَها مِن عمودِها فوضعَها تحت وسادتِه وقام هو بالسَّرَقة يمسكُها، وهي كالهودج(3) مِن إستبرق فلا ينوي موضعًا مِن الجنة إلا طارت إليه، ولم يرض سندَه بهذه الزِّيادة فلم يذكرْه وأدخلَه في كتابِه مِن طريق وثقه والله أعلم.
          وقد نقل في كتابِه مثل هذا كثيرًا فقال باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق، ثم أدخل سَمْلَ النَّبيِّ صلعم أَعْيَن العُرَنيِّين ولم يذكر سَمْلَ العُرنيِّين أَعْيَن الرِّعاء، وإنَّما ترجم بذلك ليدل أنَّ ذلك مِن فعلِهم مرويٌّ، وكما فعل بقول سهل بن أبي حثمة في الأوسق الموسقة في باب العرايا فتَرَكه للين سندِه أولًا، ثم أعجلته المنيَّة عن تهذيب كتابِه.


[1] قوله: ((بي)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((في نفسي)).
[3] في المطبوع: ((كالهودجة)).