شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الخضر في المنام والروضة الخضراء

          ░19▒ بابُ(1) الخَضَرِ فِي المَنَامِ وَالرَّوْضِةِ الخَضْرَاءِ(2).
          فيه: قَيْسُ بنُ عُبَادةَ: (كُنْتُ في حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابنُ عُمَرَ فَمَرَّ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلامٍ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقُلْتُ لَهُ(3): إِنَّهمْ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ سُبْحَانَ اللهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، إنَّما رَأَيْتُ كَأنَّما عَمُودٌ وُضِعَ في رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فَنُصِبَ فِيهَا وَفِي رَأْسِهَا عُرْوَةٌ وفي أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ، وَالْمِنْصَفُ الْوَصِيفُ، فقال لي(4): ارْقَهْ، فَرَقِيتُهُ حتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَصَصْتُهَا على رَسُولِ اللهِ صلعم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: يَمُوتُ عَبْدُ اللهِ وَهُوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى). [خ¦7010]
          وترجم له: باب التَّعلُّق بالعروة الوثقى(5) وقال فيه: (وَقِيْلَ لِي: اِرْقَهْ فَقُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ، فَأَتَانِي وَصِيفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِي، فَرَقِيْتُ...) الحديث.
          قال المهلَّب: قال أبو الحسن علي بن أبي طالب العابر: الرَّوضة الَّتي لا يعرف نبتُها(6) دالَّة على الإسلام لنضرتِها(7) وحسن بهجتِها، وقد تأوَّلها بذلك الرَّسول صلعم، وقد تدلُّ مِن الإسلام على كلِّ مكان فاضل يطاع الله تعالى فيه كقبر رسول الله صلعم وحِلَق الذِّكر، وجوامع الخير وقبور الصَّالحين؛ لقولِه صلعم: ((مَا بَيْنَ قَبْرِيْ وَمِنْبَرِيْ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ)) وقولِه: ((ارْتَعُوا فِي رِيَاضِ الجَنَّةِ، يَعْنِي حِلَقَ الذِّكْرِ)) وقولِه: ((القَبْرُ(8) رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ)).
          وقد تدلُّ(9) الرَّوضة على المصحف وعلى كتاب(10) العلم لقولِهم: الكتب رياض الحكماء، والعمود دالٌّ على كلِّ ما يعتمد عليه كالقرآن(11) والسُّنن والفقه في الدِّين وعلى الفقيه والحاكم والوالد والسَّيِّد، والزَّوج والزَّوجة والمال، وبمكان العمود وصفات المنام يستدلُّ على تأويل الأمر وحقيقة التَّعبير، وكذلك العروة والإسلام(12) والتَّوحيد وهي العروة الوثقى، قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى(13)}[البقرة:256]، فأخبر النَّبيُّ(14) صلعم أن ابن سَلَام يموت على الإيمان، ولما في هذه الرُّؤيا مِن شواهد ذلك حكم له أصحاب النَّبيُّ صلعم بالجنة لحكم النَّبيِّ صلعم بموتِه على الإسلام.
          وفيه القطع لكلِّ مَن مات على دين الإسلام والتَّوحيد لله بالجنَّة وإن نالت بعضَهم عقوبات، وقول ابن سَلَام: (مَا كَانَ يَنْبَغِيْ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمْ) إنَّما قالَه على سبيل التَّواضع، وكرِه أن يشار إليه بالأصابع فيدخلَه العُجْب فيحبط عملُه.


[1] زاد في (ص): ((في)).
[2] قوله: ((والروضة الخضراء)) ليس في (ص).
[3] في (ز): ((لهم)) والمثبت من (ص).
[4] في المطبوع: ((فقيل)).
[5] كذا في (ز) و (ص)، وفي مصورة السلطانية والفتح: ((بالعروة والحلقة)).
[6] في المطبوع: ((بيتها)).
[7] في (ص): ((لنضارتها)).
[8] في (ص): ((القبور)).
[9] في (ص): ((تؤول)).
[10] في (ص): ((كتب)).
[11] قوله: ((الحكماء والعمود.. كالقرآن)) ليس في (ص).
[12] في (ص): ((بالإسلام)).
[13] زاد في (ص): ((لا انفصام لها)).
[14] في (ص): ((الرَّسول)).