شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب القصر في المنام

          ░31▒ بابُ القَصْرِ فِي المَنَامِ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم، فَقَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي في الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فقَالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، فقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْكَ بِأَبِيْ وَأُمِّيْ أغار يَا رَسُولَ اللهِ). [خ¦7023]
          وَرَوَاهُ جَابِرٌ عَنِ النَّبيِّ صلعم وَقَالَ فِيهِ: (فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ) وترجم له: بابُ الوُضُوءِ فِي المَنَامِ. [خ¦7024]
          قال المهلَّب: هذه الرُّؤيا بشرى لعُمرَ بن الخطَّاب ☺ بقصر في الجنَّة، / وهذه الرُّؤيا ممَّا تخرَّج على حسب ما رُؤيت بغير رمز ولا غموض تفسير(1)، والجارية كذلك والوضوء إنَّما يؤخذ منه اسمُه مِن الوضاءة لأنَّه ليس في الجنة وضوء لصلاة ولا عبادة، وفيه دليل على الحكم لكلِّ رجل بما يُعلَم مِن خُلُقِه، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يدخل القصر حين ذكر غيرة عمر، وقد علم صلعم أنَّه لا يغار عليه لأنَّه أبو المؤمنين، وكلُّ ما نال بنوه المؤمنين مِن خير الدُّنيا والآخرة فبسببِه وعلى يديه صلعم، لكن أراد ◙ أن يأتي ما يعلم أنَّه يوافق عمر ☺ أدبًا منه صلعم، وقال ابن سِيرين: مَن رأى أنَّه يدخل الجنة فإنَّه يدخلُها إن شاء الله تعالى لأنَّ ذلك بشارة لما قدَّم مِن خير أو يقدِّمه.
          وقال الكِرْماني: وأمَّا بنيانُها ورياضُها فهي نعيمُها، وأمَّا نساؤُها فهي أجور في أعمال البرِّ على قدر جمالِهنَّ.
          قال علي بن أبي طالب: وقد ينصرف دخول الجنة في المنام على وجوه فيدلُّ لمن يحجُّ على تمام حجَّه ووصوله إلى الكعبة المؤدِّية إلى الجنَّة، وإن كان كافرًا أو مذنبًا بطَّالًا ورأى ذلك غيرُه له أَسْلَمَ مِن كفرِه وتاب مِن بطالتِه، وإن كان مريضًا مات مِن مرضِه لأنَّ الجنَّة هي أجر المؤمنين إن كان المريض مؤمنًا، وإن كان كافرًا أفاق مِن علَّتِه لأنَّ الدُّنيا جنَّة الكافرين، وإن كان عزبًا تزوَّج لأنَّ الآخرة دار النِّكاح والأزواج، وإن كان فقيرًا استغنى، وقد يدل دخولُها على السَّعي إلى الجمعة والجماعة، ودار العلم وحلق الذكر، والجهاد والرِّباط وكلِّ مكان يؤدِّي إليها.
          وقال: ومَن رأى أنه يتوضأ في النَّوم(2) فإنَّه وسيلة إلى سلطان أو إلى عمل مِن الأعمال، فمَن تمَّ له في النَّوم تمَّ له ما يؤمِّلُه في اليقظة، وإن تعذَّر عليه أو(3) عجز الماء أو توضَّأ بما لا تجوز(4) الصَّلاة به لم يتمَّ له ما يحاولُه، والوضوء للخائف في اليقظة أمان له لما جاء في فضل الوضوء، وربما دلَّ الوضوء على الثَّواب وتكفير الخطايا لما جاء أنَّها تخرج مع آخر قطر الماء، وربما دلَّ الوضوء على الصَّوم لأنَّ الصَّائم ممتنع مِن كثير مِن لذَّاتِه والمتوضِّئ يدانيه في ذلك، والوضوء والصَّوم واللِّجَام ورباط اليد والقيد شركاء في التَّأويل ويتعاقبون في التَّعبير، وقد تقدَّم حديث أبي هريرة في كتاب النِّكاح في باب الغيرة وفيه شيء مِن الكلام في معناه(5).


[1] في (ص): ((وتفسير)).
[2] في (ص): ((المنام)).
[3] في (ص): ((إن)).
[4] زاد في (ص): ((له)).
[5] قوله: ((وفيه شيء من الكلام في معناه)) ليس في المطبوع. وقوله: ((في باب الغيرة وفيه شيء من الكلام في معناه)) ليس في (ص).