شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الأمن وذهاب الروع في المنام

          ░35▒ بابُ الأَمْنِ / وَذَهَابِ الرَّوْعِ فِي المَنَامِ.
          فيه: ابنُ عُمَرَ: (أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ صلعم كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم فَيَقُصُّونَهَا على رَسُولِ اللهِ صلعم، فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلعم مَا شَاءَ اللهُ، وَأَنَا غُلامٌ حَدِيثُ السِّنِّ وَبَيْتِي الْمَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ، فَقُلْتُ في نَفْسِي: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاءِ، فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ لَيْلَةً قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْرًا فَأَرِنِي رُؤْيَا، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِي مَلَكَانِ في يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ يُقْبِلانِ بِي إِلَى جَهَنَّمَ، وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللهَ: اللَّهُمَّ(1) أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُرَانِي لَقِيَنِي مَلَكٌ في يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ لِي(2): لَنْ تُرَعَ نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ كُنْتَ(3) تُكْثِرُ الصَّلاة، فَانْطَلَقُوا بِي حتَّى وَقَفُوا بِي فِي جَهَنَّمَ(4) مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، لَهُ قُرُونٌ كَقُرُونِ الْبِئْرِ بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالًا مُعَلَّقِينَ بِالسَّلَاسِلِ رُؤوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَانْصَرَفُوا بِي عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ على رَسُولِ اللهِ صلعم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، قَالَ(5) نَافِعٌ: فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاة). [خ¦7028] [خ¦7029]
          وترجم له: بابُ الأَخْذِ عَلَى اليَمِينِ فِي النَّومِ، وَقَالَ فِيهِ: (وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِي عِنْدَكَ خَيْرٌ(6) فَأَرِنِي مَنَامًا يَعَبِّرُهُ لِي رَسُولُ الله صلعم، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: عَبْدُ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّيلِ).
          قال المهلَّب: هذا الحديث ممَّا فُسِّرت فيه الرُّؤيا على وجهِها، وفيه دليل على توعَّد الله ╡ عبادَه وجواز تعذيبِهم على ترك السذُنن، وقول الملك: (لَمْ تُرَعْ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ كُنْتَ(7) تُكْثِرُ الصَّلَاة بِاللَّيْلِ) هذه الزِّيادة تفسِّر سائر طرق هذا الحديث، وفيه: الحكم بالدَّلي لأنَّ عبد الله استدلَّ على أنَّ اللَّذَيْن أتيَاه ملكان لأنَّهما أوقفاه على جهنَّم ووعظاه بها، والشَّيطان لا يعظ ولا يذكِّر بالخير، فاستدلَّ بوعظِهما وتذكيرِهما أنَّهما ملكان.
          وقولُه: (لَمْ تُرَعْ) هذا خرج على ما رآه عليه وعلى أنَّه ليس مِن أهل ما رآه لأنَّه(8) إذا قام الدَّليل أنَّهما ملكان فلا يكون كلامُهما إلَّا حقًّا، وفيه: دليل على أنَّ ما فُسِّر في النَّوم فهو تفسير في اليقظة لأنَّ النَّبيَّ صلعم لم يزد في تفسيرِها على ما فسَّرها الملَك.
          وفيه: دليل على أنَّ أصل التَّعبير مِن قبل الأنبياء ولذلك كانوا يتمنُّون أن يروا رؤيا فيفسِّرها النَّبيُّ صلعم لتكون عندهم أصلًا، وهو مذهب الأشعري أنَّ أصل التَّعبير بالتَّوقيف مِن قبل الأنبياء وعلى ألسنتِهم، وهو كما قال، لكن المحفوظ عن الأنبياء وإن كان أصلًا فلا يعمُّ أشخاص الرُّؤيا، فلا بدَّ للبارع في هذا العلم أن يستدلَّ بحسن نظرِه فيردَّ ما لم ينص عليه إلى حكم التَّمثيل، ويحكم له بحكم الشَّبيه الصَّحيح فيجعل أصلًا يقاس عليه كما يفعل في فروع الفقه، وقد تقدَّم في باب فضل قيام اللَّيل في آخر كتاب الصَّلاة شيء مِن معنى هذا الحديث.


[1] زاد في (ص): ((إني)).
[2] قوله: ((لي)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((كنت)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((بي وجهنم)).
[5] في المطبوع: ((فقال)).
[6] في (ص): ((خيراً)).
[7] قوله: ((كنت)) ليس في (ص).
[8] قوله: ((لأنه)) ليس في (ص).