شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب المبشرات

          ░5▒ بابُ المُبَشِّرَاتِ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَمْ يَبْقَ بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ). [خ¦6990]
          قال المؤلِّف: وذكر ابن أبي شيبة بإسنادِه عن أبي الدَّرداء: أنَّه سأل النَّبيَّ صلعم عن قولِه تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنيا}[يونس:64]. قال: ((هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاها المُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَفِي الآخِرَةِ الجَنَّةُ))، روي مثله عن ابن عبَّاس وعروة ومجاهد.
          قال المهلَّب: وحديث أبي هريرة خرج لفظُه على العموم، ومعناه الخصوص؛ وذلك أنَّ المبشِّرات هي الرُّؤيا الصَّادقة مِن الله تعالى الَّتي تسرُّ رائيها وقد تكون صادقة منذرة مِن قِبَلِ(1) الله تعالى لا تسرُّ رائيها يُرِيها الله تعالى المؤمن رفقًا به ورحمة له ليستعدَّ لنزول البلاء قبل وقوعِه فقولُه: ((لَمْ يَبْقَ بَعْدِي إِلَّا المُبَشِّرَاتُ)) خرج على الأغلب مِن حال الرُّؤيا، وقد قال محمَّد بن واسع: الرُّؤيا بشرى للمؤمن، ولا تغرُّه.
          قال الطَّبري: فإن قال قائل: فإن كانت كلُّ رؤيا حسنة وحي مِن الله ╡ وبشرى للمؤمنين، فما بالُه يرى الرُّؤيا الحسنة أحيانًا، ولا يجد لها حقيقة في اليقظة؟ فالجواب أنَّ الرُّؤيا مختلفة الأسباب فمنها مِن وسوسةٍ وتحزينٍ للمؤمن، ومنها مِن حديث النَّفس في اليقظة فيراه في نومِه، ومنها ما هو وحي مِن الله ╡، فما كان مِن حديث النَّفس ووسوسة الشَّيطان فإنَّه الَّذي يكذب، وما كان مِن قبل الله تعالى فإنَّه لا يكذب.
          وبنحو هذا ورد الخبر عن النَّبيِّ صلعم وروى ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن أبيه، عن أيوب وهشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم: ((الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: رُؤْيَا بُشْرَى مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا تَحْزِيْنٌ مِنَ الشَّيْطَانِ)).


[1] قوله: ((قبل)) ليس في (ص).