شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا رأى بقرًا تنحر

          ░39▒ بابٌ إِذَا رَأَى بَقَرًا تُنْحَرُ.
          فيه: أَبُو مُوسَى قَالَ النَّبيُّ صلعم: (رَأَيْتُ في الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ(1) وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَو الهَجَرُ فَإِذَا هِي الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللهِ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذي آتَانَا اللهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ). [خ¦7035]
          قال المهلَّب: هذه الرُّؤيا فيها نوعان مِن التأويل فيها الرُّؤيا على حسب ما رُئيت وهو قولُه: ((أُهَاجِرُ(2) إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ)) وكذلك هاجر فخرج على ما رأى، وفيها ضرب المثل لأنَّه رأى بقرًا تُنحر، فكانت البقر أصحابُه، فعبر صلعم عن حال الحرب بالبقر مِن أجل ما لها مِن السِّلاح والقرون شبِّهت بالرِّماح، ولمَّا كان(3) طبع البقر المناطحة والدِّفاع عن أنفسِها بقرونِها كما يفعل رجال الحرب، وشبَّه صلعم النَّحر بالقتل.
          وقولُه: (واللهُ خَيرٌ) يعني ما عند الله مِن ثواب القتل في سبيل الله خير للمقتول مِن الدُّنيا، وقيل: معنى: (وَاللهُ خَيرٌ) أنَّ صُنع الله خير لهم وهو قتلُهم يوم أحد، وقد تدلُّ البقر على أهل البادية لعمارتهم الأرض، وعيشهم مِن نباتِها، وقد يدل الثَّور الواحد على الثَّائر لأنَّه يثير الأرض عن حالِها، فكذلك الثَّأر أيضًا يثير النَّاحية الَّتي يقوم فيها ويحرِّك أهلها ويقلب أسفلَها أعلاها.
          قال ابن أبي طالب: والبقر إذا دخلت المدينة فإن كانت سِمانًا فهي سِنين(4) رخاء، وإن كانت عجافًا كانت شدادًا، وإن كانت المدينة مدينة بحر وإبَّان السَّفر قدمت سفن على عددِها وحالِها وإلَّا كانت فتن مترادفة كأنَّها وجوه البقر كما في الخبر: ((يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا)) وفي خبر آخر في الفتن، ((كَأَنَّهَا صَيَاصِي البَقَرِ)) يريد لتشابهها إلَّا أن تكون صفرًا كلُّها فإنَّها أمراض تدخل على النَّاس، وإن كانت مختلفة الألوان شنيعة القرون أو كان النَّاس ينفرون منها، أو كان النَّار والدُّخان يخرج مِن أفواهِها فإنَّه عسكر أو غارة أو عدوٌّ يضرب عليهم فينزل بساحتِهم، وقد يدلُّ البقر على الزَّوجة والخادم والأرض والغلَّة والسَّنة؛ لما يكون فيها مِن الولد والغلَّة والنبات.
          وقولُه: (وَهَلِي) يعني وهمي، عن صاحب «العين».


[1] قوله: ((فذهب)) زيادة من (ص).
[2] في (ص): ((هاجر)).
[3] زاد في المطبوع: ((من)).
[4] في (ص): ((سني)).