شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كشف المرأة في المنام

          ░20▒ بابُ كَشْفِ المَرْأَةِ فِي المَنَامِ.
          فيه: عَائِشَةُ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِي أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ). [خ¦7011]
          وترجم له: بابُ ثِيَابِ الحَرِيرِ فِي المَنَامِ.
          رؤية المرأة في المنام تختلف على وجوه: فمنها أن تدلَّ على امرأة / تكون له في اليقظة تشبِه الَّتي رأى في المنام كما كانت رؤية النَّبيِّ صلعم هذه، وقد تدلُّ(1) على الدُّنيا والمنزلة فيها والسَّعَة في الرِّزق، وهذا أصل عند المعبِّرين في ذلك، وقد تدلُّ المرأة أيضًا على فتنة بما يقترن إليها مِن دلائل ذلك.
          وقولُه: (إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ(2)) هذه الرُّؤيا أُرِيَها النَّبيُّ صلعم قبل زمن النُّبوَّة في وقت تجوز عليه رؤيا سائر البشر؛ فلمَّا أوحى الله ╡ إليه حصَّن رؤياه مِن الأضغاث وحرسَه في النَّوم كما حرسَه في اليقظة وجعل رؤياه وحيًا، ويحتمل وجهًا آخر: أن تكون هذه الرؤيا منه صلعم بعد النُّبوَّة وبعد العلم(3) بأن رؤياه وحي فعبَّر صلعم عمَّا علمَه بلفظ يوهم الشَّكَّ ظاهرُه ومعناه اليقين، وهذا موجود في لغة العرب أن يكون اللَّفظ مخالفًا لمعناه كما قال ذو الرُّمَّة:
أَيَا(4) ظَبْيَةَ الوَعْسَاءِ بَيْنَ جَلَاجِلٍ                     وَبَيْنَ النَّقَا آأَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمٍ
          ولم يشك ذو الرُّمَّة أنَّ الظبية ليست بأمِّ سالم، وكما قال جرير:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا                      وَأَنْدَى العَالَمِينَ بُطْونَ رَاحٍ.
          فعبَّر عما هو قاطع عليه وعالم به بلفظ ظاهرُه الشَّكُّ والمسألة عمَّا لا يقطع عليه فكذلك قولُه صلعم: (إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ) وقد علم أنَّه كائن مِن عند الله لا محالة، قال ابن أبي طالب: وثياب الحرير يدلُّ اتِّخاذُها للنِّساء في الرُّؤيا(5) على النِّكاح وعلى الأزواج وعلى العزِّ والغنى وعلى الشَّحم ولبس الذَّهب، قال: واللِّباس دالٌّ على جسم لابسِه لأنَّه محلُّه ومشتمل عليه ودافع عنه، فهو معبِّر عنه لاسيَّما أنَّ اللِّباس في غالب النَّاس دالٌّ على أقدارِهم وأحوالِهم ومذاهبِهم وأجناسِهم، فيُعْرَفُ كلُّ جنس بلبسِه وزيِّه مِن العرب والعجم والأغنياء والفقراء، ولا خير في ثياب الحرير للرِّجال، وهي صالحة في الجاه(6) والسُّلطان وسعة المال.


[1] زاد في (ص): ((المرأة)).
[2] قوله: ((هذا من عند الله يمضه)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((علمه)).
[4] في (ص): ((فيا)).
[5] في (ص): ((والرؤيا)).
[6] في (ص): ((الحال)).