شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب عرق الاستحاضة

          ░26▒ بَابُ: عِرْقِ الِاسْتِحَاضَةِ.
          فيهِ: عَائِشَةُ: (أَنَّ(1) أُمَّ حَبِيْبَةَ اسْتُحِيْضَتْ سَبْعَ سِنِيْنَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلعم عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، فَقَالَ(2): هَذَا عِرْقٌ، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ). [خ¦327]
          قَالَ المُهَلَّبُ: قوله: (فَهَذا(3) عِرْقٌ) يدلُّ أنَّ المستحاضة لا تغتسل لكلِّ صلاةٍ كما زعم مَن أوجب ذلك، واحتَجَّ بهذا الحديث؛ لأنَّ دم العرق(4) لا يوجب غُسْلًا.
          وقوله: (فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ) يُرِيدُ(5) تغتسل مِن الدَّم الَّذي كان يُصيب الفرْج؛ لأنَّ المشهور مِن قول(6) عَائِشَةَ أنَّها لا ترى الغُسْلَ لكلِّ صلاةٍ للمستحاضة، وقد ذكر الطَّحَاوِيُّ عن يُونُسَ، عن يحيى بن بُكَيْرٍ(7)، عن اللَّيْثِ عن ابنِ شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ: (أَنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ اسْتُحِيضَتْ) وذكر الحديث، قال اللَّيْثُ: لم يذكر ابنُ شِهَابٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أمر أمَّ حَبْيَبَةَ أن تغتسل لكلِّ صلاةٍ، وقال(8) غيره: ومن ذكر(9) حديث أمِّ حَبِيْبَةَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أمرها بالغُسْلِ لكلِّ صلاةٍ فليس بحجَّةٍ على مَن سكت عنه؛ لأنَّ الحفَّاظ مِن أصحاب ابنِ شِهَابٍ لا يذكرونه، وإيجاب الغُسْلِ عليها إيجاب(10) فرضٍ، والفرائض(11) لا تثبت إلَّا بيقينٍ، ولا يقين هنا من بيِّنةٍ(12) ثابتةٍ، ولا من إجماعٍ(13)، وإنَّما الإجماع في(14) إيجاب الغُسْل مِن الحيض. قال الطَّحَاوِيُّ: وقد قيل: إنَّ حديث أمِّ حَبِيْبَةَ منسوخٌ بحديث فَاطِمَةَ بنت أبي حُبَيْشٍ؛ لأنَّ عائشة أفتتْ بحديث فَاطِمَةَ بعد النَّبيِّ صلعم وخالفت حديث أمِّ حَبِيْبَةَ، وقد علمت ما خالفه وما وافقه مِن قوله(15) صلعم، ولا يجوز عليها(16) أن تدع النَّاسخ وتفتي بالمنسوخ، بل الأمر بضدِّ ذلك، فحديث فَاطِمَةَ أولى(17) ما صير إليه في هذا الباب ذكره الطَّحَاوِيُّ(18).
          وأمَّا قوله:(إنَّ أمَّ حَبِيْبَةَ(19) اسْتُحِيْضَتْ سَبْعَ سِنِيْنَ)، / ففيه حجَّة لابنِ القاسمِ في قوله: إنَّ من استُحيضت فتركت الصَّلاة جاهلةً وظنَّته(20) حيضًا أنَّه لا إعادة عليها، وذلك أنَّه(21)◙ لم يأمرها بإعادة صلوات السَّبعة الأعوام، ووجه ذلك أنَّها لما سألته صلعم فأمرها بالغُسْلِ علم أنَّها لم تَغتَسل(22) قبلُ، ولو اغتسلت لقالت: إنِّي قد اغتسلت، فعلم أنَّ في السَّبعة الأعوام كانت عند نفسها حائضًا، فأمرها بالغُسْلِ مِن ذلك الحيض، ولم يأمرها بإعادة صلوات(23) تلك المدَّة.


[1] في (ص): ((أو)).
[2] في (ص): ((قال)).
[3] في (م): ((هذا)).
[4] في (م): ((الغسل)).
[5] في (م): ((معناه)).
[6] في (م): ((فتوى)).
[7] قوله ((عن يونس عن يحيى بن بكير)) ليس في (م).
[8] في (م): ((قال)).
[9] زاد في (ص): ((في)).
[10] قوله ((إيجاب)) ليس في (م).
[11] في (م): ((والفروض)).
[12] في (م): ((سنَّة)). في حاشية (ص): ((ههنا من سنة)).
[13] في (ص): ((ولا بإجماع)).
[14] ي (م): ((من)).
[15] في (م): ((حديثه)).
[16] في (م): ((لها)).
[17] في المطبوع و(ص): ((أوَّل)).
[18] قوله ((ذكره الطَّحاوي)) ليس في (م).
[19] قوله ((إنَّ أمَّ حبيبة)) ليس في (م).
[20] في (م): ((فظنَّته)).
[21] في (م): ((عليها، لأنَّه)).
[22] في (م): ((تغسل)).
[23] في (م): ((صلاة)).