شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ترك الحائض الصوم

          ░6▒ بَاُب: تَرْكِ الحَائِضِ الصَّوْمَ.
          فيهِ: أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ(1): خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلعم في أَضْحًى _أَوْ فِطْرٍ_ إلى المُصَلَّى، فَمَرَّ على النِّسَاءِ، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ(2) أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، قُلْنَ: وبِمَ(3) يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا(4) رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ(5) لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ(6)، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى(7)، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، قَالَ: أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ(8): بَلَى(9)، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا). [خ¦304]
          قال المُؤَلِّفُ: قوله صلعم: (أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟) نَصَّ أنَّ الحائض يسقط عنها فرض الصَّلاة ولا يجوز لها الصَّوم في أيَّام حيضها، والأمَّة على ذلك، وأجمعوا أنَّ عليها قضاء ما تركت مِن الصِّيام ولا قضاء عليها للصَّلاة، إلَّا أنَّ(10) طائفةً من الخوارج يرون عليها قضاء الصَّلاة، وعلماء الأمَّة مِن(11) السَّلف والخلف على خلافهم، وفيه: خُرُوج النِّساء إلى العيدين، وفيه: الشَّفاعة للمساكين وغيرهم أن(12) يسأل لهم، وفيه(13): حجَّةٌ على مَن كره السُّؤال لغيره.
          قال المُهَلَّبُ: وفيه أنَّ على الخطيب في العيدين أن يُفْرِدَ النِّساء باللِّقاء لهنَّ والموعظة، ويخبرهنَّ بما يخصهنَّ مِن تقوى الله ╡، والنَّهي عن كُفْرَانِ العشير، وما يلزمهنَّ مِن ذلك إذا لم يمكنه إسماعهنَّ، فحينئذٍ يمرُّ بهنَّ(14) ويعظهنَّ بالكلمة والكلمتين في موضعهنَّ(15)، كما فعل النَّبيُّ صلعم. وفيه: دليلٌ أنَّ الصَّدقة تُكَفِّرُ الذُّنوب الَّتي بين المخلوقين، وفيه: دليلٌ أنَّ الكلام القبيح من اللَّعن والسُّخط ممَّا يُعَذِّبُ اللهُ ╡ عليه، وفيه: أنَّ للعالم أن يُكَلِّمَ مَن دونه مِن المتعلِّمين بكلام يكون عليهم(16) فيه بعض الشِّدَّة والتَّنقيص(17) في العقل(18)، وقال غيره: مقابلة(19) الجماعة بالوعظ تسهل فيه الشِّدَّة؛ لأنَّه يُسَلِّيهم شموله لجماعتهم، وكذلك(20) فعل النَّبيُّ صلعم بالنِّساء لم يخصَّ منهنَّ واحدةً(21) وإنَّما قابل جماعتهنَّ، وكذلك الواعظ والخطيب له أن يشتدَّ في وعظه للجماعة، ولا يُقابل واحدًا بعينه(22) بالشِّدَّة، بل يلين له ويرفق به. وفي هذا الحديث ترك العَتب للرَّجل(23) أن تغلب محبَّة أهله عليه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم قد عَذَرَه بقوله: (مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْكنَّ) فإذا كنَّ يغلبن الحازم فما الظَّنُّ بغيرِه.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] في (م): ((رأيتكنَّ)).
[3] في المطبوع و(ص): ((ولمَ)).
[4] في (ص): ((وما)).
[5] في (م): ((أغلب)). في حاشية (ص): ((نسخة: أغلب)).
[6] في (م): ((منكنَّ)).
[7] زاد في (م): ((يا رَسُول الله)).
[8] في (م): ((قال)).
[9] زاد في (م): ((يا رَسُول الله)).
[10] قوله: ((أنَّ)) ليس في المطبوع و(م) و(ص).
[11] قوله: ((الأمَّة من)) ليس في (م).
[12] في (م): ((وأن)).
[13] في (م): ((وهو)).
[14] في (م): ((فحينئذٍ يأمرهنَّ)).
[15] في (م): ((موضعين)).
[16] في (م): ((عليه)).
[17] في (م): ((والتَّنقُّص)).
[18] زاد في (م): ((والدِّين)).
[19] في (م): ((قال غيره: ومقابلة)).
[20] في (م): ((كما)).
[21] في (م): ((لم يخصَّ واحدةً منهنَّ)).
[22] في (م): ((واحدًا في نفسه)).
[23] في (م): ((على الرَّجل)).