شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض

          ░15▒ بَابُ: امْتِشَاطِ المَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ.
          فيهِ: عَائِشَةُ قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم في حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقِ الهَدْيَ، فَزَعَمَتْ أَنَّها حَاضَتْ(1) وَلَمْ تَطْهُرْ حتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلعم: (انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ(2) فَأَعْمَرَنِي مِنَ التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ(3)). [خ¦316]
          وترجم له بَابُ: نَقْضِ المَرْأَةُ شَعْرَهَا عِنْدَ غُسْلِ الحَيْضِ(4). اختلف العلماء في نقض المرأة شعرها للاغتسال، فرُوِيَ عن عبد الله بن عَمْرو أنَّه كان يأمر نساءَه إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهنَّ. وروى هَمَّامٌ عن حُذَيْفَةَ أنَّه قال لامرأته: خلِّلي رأسَكِ بالماءِ لا تُخلِّله نارٌ قليلٌ بقاؤه عليه(5). وقال النَّخَعِيُّ: تنقض العروس رأسها للغُسْلِ وحجَّتهم حديث عَائِشَةَ. وقال طَاُوسٌ: تنقض الحائض شعرها إذا اغتسلت، فأمَّا مِن الجنابة فلا. وقال ابنُ المُنْذِرِ: لا فرق بين الحيض(6) والجنابة. وفيه(7) قول آخر رُوِيَ عن عَائِشَةَ وأمِّ سَلَمَةَ وابنِ عُمَرَ وجَابِرٍ أنَّهم قالوا: ليس على المرأة نقض شعرها للاغتسال مِن الحيض / ولا مِن الجنابة، وهو قول عِكْرِمَةَ وعَطَاءٍ والزُّهْرِيِّ والحَكَمِ(8) ومَالِكٍ والكوفيين والشَّافعيِّ وعامَّة الفقهاء كلِّهم يقولون:(9) بأيِّ وجه أوصلت الماء إلى أصول شعرها وعمَّته بالغُسْلِ أنَّها قد أدَّت ما عليها، وحجَّتهم حديث أمِّ سَلَمَةَ أنَّها قالت: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، أَفَأَنْقُضُهُ للجَنَابَةِ؟ قَالَ: ((لَا، إِنَّما كَانَ(10) يَكْفِيْكِ أَنْ تَحْثِي عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ وتَغْمُرِي قُرُوْنَكِ فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ)). وحديث عَائِشَةَ أصحُّ إسنادًا غير أنَّ العمل عند الفقهاء على حديث أمِّ سَلَمَةَ، وقد قال حمَّادٌ قولًا جمع فيه بين الحديثين، فقال: إنْ كانت ترى أنَّ الماء أصاب أصول شعرها(11) أجزأ عنها، وإن كانت ترى أنَّ الماء لم يُصِبْ(12) فلتنقضه. وقد استدلَّ الكوفيُّون بحديث عَائِشَةَ في رفض العُمْرَةِ للحائض والمراهق، وعلَّله المالكيُّون ودفعوه بما سنورده في(13) كتاب الحجِّ [خ¦1556].


[1] في (م) والمطبوع و(ص): ((ولم يسق الهدي فحاضت)).
[2] في (م): ((الحيضة)).
[3] زاد في (م): ((في بعض الأمَّهات الَّتي سكت ومعناه سكت عنها)).
[4] في (م): ((المحيض)).
[5] كذا في (ز) و(م): ((بقاؤه))، والذي في المصنفات: ((بقاؤها)).
[6] في (م): ((الحيضة))، وفي المطبوع و(ص): ((الحائض)).
[7] في (ص): ((وفيها)).
[8] في (م): ((عطاء وعكرمة والحكم والزُّهري)).
[9] زاد في المطبوع و(م) و(ص): ((أنَّ المرأة)).
[10] قوله ((كان)) ليس في (م).
[11] في (م): ((الشَّعر)).
[12] في (م): ((يصبه)).
[13] في المطبوع: ((بحديث عائشة، وعلَّله المالكيُّون ودفعوه بما سنورده في رفض العمرة للحائض والمراهق، وسنذكره في)).