شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض

          ░13▒ بَابُ: دَلْكِ المَرْأَةِ نَفْسَهَا إِذَا تَطَهَّرَتْ مِنَ المَحِيضِ، وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ، وَتَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً تَتَّبِعُ(1) بِهَا أَثَرَ الدَّمِ.
          فيهِ: عَائِشَةُ: (أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبيَّ صلعم عَنْ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ(2)، فَقَالَ: خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بها(3)؟ قَالَ: تَطَهَّرِي بِهَا، قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، تَطَهَّرِي، فَاجْتَبَذْتُهَا(4) إِلَيَّ، فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ). [خ¦314]
          الفِرْصَةُ: القطعة، وَفَرَصْتُ الشَّيء فَرْصًا قطعته، ومنه سُمِّي المِفْرَاصُ(5): الحديدة التي يُقطع بها الجلد. وقال ابنُ قُتَيْبَةَ: اختلف النَّاس في تأويل الفِرْصَةِ، فذهب بعض الفقهاء إلى أنَّها المطيَّب(6) بالمسك، وبعضهم يذهب إلى أنَّها المأخوذة مِن مسك شاةٍ وهو الجلد، ولا أرى هذين التَّفسيرين صحيحين، ومن كان منهم يستطيع أن يمتهن بالمسك هذا الامتهان حتَّى تمسح به دم الحيضة(7)؟ ولا نعلم في الصُّوف لتتبُّع الدَّم معنًى فيخصُّه(8) به دون القطن والخرق، والَّذي عندي في ذلك(9) _والله أعلم_ أنَّ النَّاس يقولون للحائض: احتملي معك كذا، يريدون عالجِي به قُبُلَكِ، أو احتشي به، أو أمسكي معك كذا وكذا يكنُّون به، فيكون أحسن مِن الإفصاح، فقوله(10): (خُذِي مَعَكِ فِرْصَةً)، أي قطعة من صوفٍ أو قطنٍ أو خرقةٍ.
          وقوله: (مُمَسَّكَةً) يعني متحملة(11)، يريد تحملينها معك تمسح(12) القُبُل، والعرب تقول: مسكت كذا، بمعنى أمسكت وتمسَّكت، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالكِتَابِ}[الأعراف:170]، فالكتاب على هذا ممسَّك. وقال غيره: هذا(13) تأويلٌ حسنٌ، وهو خارجٌ على رواية مَن روى في هذا الحديث: ((فُرْصَةً مُمَسَّكَةً))، وهي رواية وَهْبٍ(14) عن مَنْصُورٍ, وأمَّا على رواية ابنِ عُيَيْنَةَ عن مَنْصُورٍ: ((خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ))، فلا يسوغ(15) أن تكون الفِرْصَةُ إلَّا من مسكٍ. قال المُهَلَّب: وإنَّما يريد قطعةً من جلد فيها صوفها لم تُنتف، وإذا كان كذلك مَنَعَ الجلد أن يصلَ بلل الصَّوف بالدَّم إلى يدها، فتسلم يدُها(16) من زفرته، ويكون أنظف لها.
          وقوله: (تَتَبَّعِي بِهَا(17) أَثَرَ الدَّمِ) يريد في فرجها حيث كان الأذى، وليس ذلك(18) بموجب لدلك الجسم كلِّه إذا لم يكن فيه أذًى، وهكذا حكم النَّجاسات الثَّابتة العرك والدَّلك، والمتابعة لصبِّ(19) الماء عليها. وفيه: أنَّه ليس على المرأة عارٌ أن تسأل عن أمر حيضها(20) وما تتبيَّن(21) به إذا كان مِن أمر دينها. وفيه: أنَّ العالم يُجيب بالتَّعريض في الأمور المستورة. وفيه: تكرير الجواب لإفهام السَّائل دون أن يكشف. وفيه: مراجعة السَّائل إذا لم يفهم. وفيه: أنَّ السَّائل إذا لم يفهم وفهمه بعض مَن في مجلس العالم والعالم يسمع، أنَّ ذلك سماع مِن العالم يجوز أن يقول فيه: حدَّثني وأخبرني. وترجم له بَابُ: غُسْلِ المَحِيْضِ، وذكر فيه حديث وُهَيْبٍ عن مَنْصُورٍ: ((خُذِي فُرْصَةً مُمَسَّكَةً)).


[1] في (م): ((فتتبع)).
[2] قوله ((فأمرها كيف تغتسل)) ليس في (م).
[3] قوله ((بها)) ليس في (م).
[4] في (ص) تحتمل: ((فاجتذبتها)).
[5] في (م): ((قال المؤلِّف: القرضة: القطعة، وقرضت الشَّيء قرضًا قطعته، ومنه سمِّي المقراض)).
[6] في (م) والمطبوع و(ص): ((المطيِّبة)).
[7] في (م): ((الحيض)).
[8] في (م): ((يخصُّه)). في (ص): ((فخصه)).
[9] قوله ((في ذلك)) ليس في (م).
[10] في (م): ((بقوله)).
[11] في (م): ((محتملة)).
[12] في (م): ((لمسح)).
[13] في (م): ((قال المؤلِّف: وهذا)).
[14] في (م) والمطبوع و(ص): ((وهيب)).
[15] في المطبوع و(ص): ((مسوغ)).
[16] قوله ((يدها)) ليس في (م) و(ص).
[17] في (ص): ((به)).
[18] في (م): ((هذا)).
[19] في (م): ((والمائعة صب)).
[20] في (م) والمطبوع و(ص): ((حيضتها)).
[21] في (م): ((تستتر))، وفي المطبوع و(ص): ((تستبين)).