شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى

          ░23▒ بَابُ: شُهُودِ الحَائِضِ العِيدَيْنِ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلْنَ المُصَلَّى.
          فيهِ: حَفْصَةُ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ في العِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا _وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبيِّ صلعم ثِنْتَيْ عَشَرَةَ(1)، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ في سِتٍّ_ قَالَتْ(2): كُنَّا نُدَاوِي الكَلْمَى، وَنَقُومُ على المَرْضَى، فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبيَّ صلعم: أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لا تَخْرُجَ؟ قَالَ: (لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَد(3) الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ(4))، فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبيَّ صلعم؟ قَالَتْ: بِأَبِي(5) نَعَمْ، وَكَانَتْ لا تَذْكُرُهُ إِلَّا قَالَتْ: بِأَبِي(6) _سَمِعْتُهُ_ يَقُولُ: (يَخْرُجُ(7) العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ _أَوِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ_ وَالحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ(8) الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ(9)، وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى). قَالَتْ حَفْصَةُ: قُلْتُ: الحُيَّضُ؟ فَقَالَتْ: أَلَيْسَ تَشْهَدُ(10) عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا؟ [خ¦324]
          قال المُهَلَّبُ: فيه جواز خُرُوج النِّساء الطَّاهرات والحُيَّض إلى العيدين وشُهُود الجماعات، ويعتزل(11) الحُيَّض المُصَلَّى ويكنَّ فيمن يدعو ويُؤَمِّن رجاء بركة المشهد الكريم، وسأذكر اختلاف العلماء في ذلك في كتاب العيدين إن شاء الله تعالى [خ¦971]. وفيه: أنَّ الحائض لا تقرب المسجد، وتقرب غيره من المواضع التي ليست / بمشاهد محظورةٍ(12). وفيه: جواز استعارة الثِّياب للخُرُوج إلى الطَّاعات. وفيه: جواز اشتمال المرأتين في ثوبٍ واحدٍ لضرورة الخُرُوج إلى طاعة الله. وفيه: غزو(13) النِّساء المُتَجَالَّات(14) ومداواتهنَّ الجرحى، وإن كنَّ غير ذي محارمٍ منهم، وأمَّا إن كنَّ غير مُتَجَالَّاتٍ فيعالجن(15) الجرحى(16) بحائلٍ بينهنَّ وبينهم، أو يأمرن غيرهنَّ بوضع الدَواء عليهم. وفيه: قبول خبر المرأة.
          وفي قولها: (كُنَّا نُدَاوِي الكَلْمَى) جواز نقل الأعمال في زمن النَّبيِّ صلعم، وإن كان النَّبيُّ صلعم لم(17) يُخبر بشيءٍ من ذلك. وفيه: جواز النَّقل عمَّن لا يُعرف اسمه من الصَّحابة خاصَّة إذا بيَّن مسكنه ودلَّ عليه.
          وقولها: (بَأبَأ) تريد بأبي، وهي لغةٌ لبعض العرب، قالت عَمْرَةُ الخَثْعَمِيَّةُ من أبيات الحماسة:
لقد زعموا أنـِّي جزعـت عليهـا(18)                      وهل جزعٌ أن قلـت وا بأبأهمـا؟
          تريد بأبي هما، أي يُفديان(19). عن ابنِ الجِنِّيِّ(20): ويجوز بيبابيا(21) مخلصة يريد أبًا(22)، ثمَّ يخفف الهمزة ويحذفها، ويلغي(23) فتحتها على الياء.


[1] زاد في المطبوع و(م) و(ص): ((غزوة)).
[2] في (م): ((و)).
[3] في (ص) صورتها: ((وتشهد)).
[4] في (م): ((المؤمنين)).
[5] في (م): ((بأبأ)).
[6] في (م): ((بأبأ)).
[7] في (ص): ((تخرج)).
[8] في (ص): ((الخدور ليشهدن)).
[9] في (م): ((المؤمنين)).
[10] في (م): ((تشهدن)).
[11] في (م): ((ويعتزلن)).
[12] في المطبوع و(م) و(ص): ((بمساجد محظرة)).
[13] في حاشية (ص): ((نسخة: عدو)).
[14] في (م): ((المتجلِّلات)).
[15] في (م): ((فيعالجون)).
[16] زاد في المطبوع و(ص): ((وإن كنَّ غير ذي مَحْرَمٍ منهنَّ)).
[17] قوله ((لم)) ليس في (م).
[18] في (م) وتحتمل في (ص): ((عليهما)).
[19] زاد في المطبوع و(م) و(ص): ((بأبي)).
[20] في (م): ((وعن الجِنِّيِّ)). في (ص): ((وعن ابن الجني)).
[21] في المطبوع و(ص): ((أبيبابيا)) و في (م): ((بيب أبيا)).
[22] في (م): ((يريد بي أبا)).
[23] في المطبوع و(ص): ((ويبقي)).