شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب مباشرة الحائض

          ░5▒ بَابُ: مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ.
          فيهِ: عَائِشَةُ قَالَتْ: (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا والنَّبيُّ صلعم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ كِلانَا جُنُبٌ، وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي، وَأَنَا حَائِضٌ). [خ¦299] [خ¦300] [خ¦301]
          وقَالَتْ مَرَّةً: (كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا وَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلعم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ في ثَوْبِ حَيْضَتِهَا، ثمَّ يُبَاشِرُهَا). [خ¦302]
          قَالَتْ: (وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبيُّ صلعم يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟).
          وفيهِ: مَيْمُونَةُ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ، وهيَ حَائِضٌ). [خ¦303]
          اختلف العلماء(1) في مباشرة الحائض، فقال مالكٌ والأوزاعيُّ وأبو حنيفةَ وأبو يُوسُفَ والشَّافعيِّ: له منها ما فوق الإزار، ولا يقرب ما دون الإزار، وهو ما دون الرُّكبة إلى الفرج، وهو قول سَعِيْدِ بنِ المُسَيَّبِ وسالمٍ والقَاسِمِ وطَاوُسٍ وشُرَيحٍ وقَتَادَةَ وسُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ. وحجَّة أهلِ(2) هذه المقالة ظاهر حديث عَائِشَةَ ومَيْمُونَةَ؛ لأنَّه لو كان الممنوع منها موضع الدَّم فقط لم يقلْ لها صلعم: ((شُدِّي عَلَيْكِ إِزَارَكِ)) لأنَّه لا يخاف منه صلعم التَّعرض لمكان الدَّم الممنوع لملكه لإربه، ولكنَّه امتنع مما قارب الموضع الممنوع لأنَّه من دواعيه، وقد جاء في الشَّريعة المنع مِن دواعي الشَّيء المحرَّم لغلظه، مِن ذلك: الخِطْبَة في العدِّة، ونكاح المُحْرِم، وتطيُّبه؛ لأنَّ ذلك يدعو إلى شهوة الجِماع المفسد للحجِّ، وحكم لما قرب مِن الفأرة تقع في السَّمن(3) بحكم الفأرة، وقال صلعم: ((مَنْ رَتَعَ حَوْلَ الحِمَى يُوْشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)). وقالت طائفةٌ: يجوز له أن يستمتع منها بما دون الفرج، رُوِيَ هذا عن ابن عبَّاسٍ ومَسْرُوقٍ والنَّخَعِيِّ والشَّعْبِيِّ والحَكَمِ وعِكْرِمَةَ، وهو قول الثَّوْرِيِّ ومُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وبعضِ أصحابِ الشَّافعيِّ وأحمدَ وإِسْحَاقَ وأَصْبَغَ بنِ الفَرَجِ. واحتَجُّوا بما رواه أيُّوب عن أبي مَعْشَرٍ عن النَّخَعِيِّ عن مَسْرُوقٍ، قال: سَأَلَتْ عَائِشَةَ ♦(4) مَا يَحِلُّ لِي مِنِ امرأتي وهيَ حَائِضٌ؟ قَالَتْ: كلُّ شَيْءٍ إلَّا الفَرْجَ. فلمَّا منع مِن الإيلاج في الفرج لم يُمنع مما قاربه. واحتَجَّوا أيضًا(5) بما رواه الأَعْمَشُ عن ثَابِتِ بن عُبَيْدٍ عن القَاسِمِ عن عَائِشَةَ أنَّ النَّبيَّ صلعم قال لها: ((نَاوِلِيْنِي الخُمْرَةَ. قُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، قَالَ: إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ)) فبان أنَّ كلَّ موضعٍ لا يكون موضعًا للحيض لا يتعلَّق به حُكم الحيض. وقال الطَّحَاوِيُّ: لمَّا كانَ الجِماعُ في الفرجِ يوجبُ الحَدَّ والمَهْرَ والغُسْلَ، ورأينا الجِماع في غيره لا يوجب شيئًا مِن ذلك، دلَّ أنَّ الجماعَ فيما دونَ الفرجِ تحتَ الإزارِ أشبه بالجماعِ فوقَ الإزارِ منه بالجماعِ في الفرجِ، وثبتَ أنَّ ما دونَ الفرجِ مباحٌ.
          وفي حديث عَائِشَةَ ومَيْمُونَةَ مِن الفقه بيان قول الله ╡(6): {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيْضِ}[البقرة:222]أنَّ المراد به الجِماع لا المؤاكلة ولا الاضطجاع في ثوبٍ واحدٍ وشبهه، ورفع الله عنَّا الإصرَ الَّذي كان على بني إسرائيل في ذلك، وذلك(7) أنَّ المرأة منهنَّ(8) كانت إذا حاضت أخرجوها عن البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها، فسُئِلَ عن ذلك النَّبيُّ صلعم فأنزلَ اللهُ تعالى: {يَسْأَلُوْنَكَ عَن المَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذَى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيْضِ}[البقرة:222]فقالَ النَّبيُّ صلعم: ((جَالِسُوهُنَّ في البُيُوتِ واصنَعُوا كلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ)). رواه حَمَادُ بنُ سَلَمَةَ عن ثَابِتٍ عن أَنَسٍ. /


[1] في (م): ((الفقهاء)).
[2] قوله: ((أهل)) ليس في (م).
[3] في (م) والمطبوع و(ص): ((من الفأرة من السَّمن)).
[4] قوله: ((♦)) ليس في (م).
[5] قوله: ((واحتَجُّوا أيضًا)) ليس في (م)، وفي (م) بعدها: ((واحتَجُّوا)).
[6] في (م): ((قوله ╡)).
[7] قوله: ((وذلك)) ليس في (ص).
[8] قوله: ((منهن)) ليس في (م).