شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: {مخلقة وغير مخلقة}

          ░17▒ بَابُ: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}[الحج:5].
          فيهِ: أَنَسٌ عَنِ(1) النَّبيِّ صلعم قَالَ: (إِنَّ اللهَ ╡ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ، قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ وَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ في بَطْنِ أُمِّهِ). [خ¦318]
          قال المُهَلَّبُ: فيه(2) أنَّ الله ╡ قد علم أحوال خلقه قبل أن يخلقهم، ووقَّت آجالهم، وأرزاقهم، وسبق علمه فيهم بالسَّعادة، أو(3) الشَّقاء، وهذا مذهب أئمَّة أهل السُّنَّة. قال غيره: ويمكن أن يكون أراد البخاريَّ ☼ بهذا التَّبويب معنى ما رُوِيَ عن عَلْقَمَةَ في تأويل هذه الآية، قال عَلْقَمَةُ: ((إذا وقعَتِ النُّطفة في الرِّحمِ قالَ الملكُ: مُخَلَّقَةٌ أو غيرُ مُخَلَّقَةٍ؟ فإنْ قالَ: غيرُ مُخَلَّقَةٍ مَجَّتِ الرَّحِمُ دمًا، وإنْ قالَ: مُخَلَّقَةٌ، قالَ: أَذَكَرٌ أو(4) أُنْثَى؟))، فغرضه في هذا الباب _والله أعلم_ أنَّ الحامل لا تحيض(5) كما ذهب إليه أهل الكوفة والأوزاعيُّ، وهو أحد قولي الشَّافعيِّ، قالوا: لأنَّ اشتمال الرَّحم(6) على الدَّم يمنع خُرُوج دم الحيض. وفي الآية تأويلٌ ثانٍ، قيل: إنَّ معنى غير مُخَلَّقَةٍ أنَّها تكون أوَّلًا غير مُخَلَّقَةٍ وهي الحالة الثَّانية، ثمَّ تُخَلَّق بعد ذلك، والواو لا توجب التَّرتيب. وأجمع العلماء أنَّ الأَمَةَ تكون أمَّ ولدٍ بما أسقطته مِن ولدٍ تامِّ الخلق، واختلفوا فيما لم يتمَّ خلقه مِن المضغة والعلقة، فقال مالكٌ والأوزاعيُّ وجماعةٌ: تكون بالمضغة أمَّ ولدٍ كانت مُخَلَّقَةً أو غير مُخَلَّقَةٍ وتنقضي بها العدَّة، وقال أبو حنيفةَ والشَّافعيُّ وجماعةٌ: إن كان قد تبيَّن في المضغة شيءٌ مِن الخلق إصبعٌ أو عينٌ أو غير ذلك، فهي أمُّ ولدٍ، وكلا القولين تحتمله الآية، والله أعلم بما أراد.


[1] في (م): ((قال)).
[2] قوله: ((فيه)) ليس في (م).
[3] في (م): ((و)).
[4] في (ص): ((أم)).
[5] زاد في (م): ((على)).
[6] قوله: ((الرَّحم)) ليس في (م).