شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب صداق الملاعنة

          ░32▒ بَاب صَدَاقِ الْمُلاعَنَةِ.
          فيه ابْنُ جُبَيْر قال: (قُلْتُ لابْنِ عُمَر: رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ(1): فَرَّقَ نَبِيُّ اللهِ صلعم بَيْنَ أَخَوَيْ بني الْعَجْلانِ، وَقَالَ: اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ فَأَبَيَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا). [خ¦5311]
          قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ لي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: إِنَّ في الْحَدِيثِ شَيْئًا لا أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ. قال: قال الرَّجُلُ: مَالِي، قَالَ(2): قِيلَ: لا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْكَ.
          وترجم له باب قول الإمام للمتلاعنين: إنَّ أحدكما كاذبٌ فهل منكما تائبٌ؟
          صداق الملاعنة واجبٌ لها بالإجماع؛ لأنَّهما كانا على نكاحٍ صحيحٍ قبل التعانهما، وكلُّ من وطئ امرأةً بشبهةٍ، فالصداق لها واجبٌ، فكيف النكاح الصحيح؟
          قال ابن المنذر: وفي حديث ابن عمر دليلٍ على وجوب صداقها، وأنَّ الزوج لا يرجع عليها بالمهر، وإن أقرت بالزنا؛ لقوله صلعم: ((إن كنت صدقت عليها فبما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد منك))، هكذا رواه في باب قول الإمام للمتلاعنين: إنَّ أحدكما كاذب.
          قال ابن المنذر: ولو قال قائلٌ: إنَّ فيه دليلًا على أنَّ المهر إنَّما يجب بالمسيس لا بالخلوة لساغ ذلك.
          قال المؤلِّف: وحديث هذا الباب يوجب الصداق بالدخول.
          وقال(3) المُهَلَّب في قوله: (إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا)، فيه دليلٌ على أنَّ الدخول بالمرأة يكنى به عن الجماع، وهو دليلٌ على وجوب جماعها، وإن كان قد لا يكون جماعٌ مع الدخول، فغلَّب صلعم ما يكون في الأكثر وهو الجماع لما ركب الله تعالى في نفوس عباده من شهوة النساء، وسيأتي اختلاف أهل العلم في هذه المسألة في باب المهر للمدخول عليها بعد هذا إن شاء الله تعالى.
          وقال(4) الطبريُّ: في قوله صلعم: (اللهُ يَعْلَمُ(5) أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا من تَائِبٌ؟)، أنَّه ينبغي للإمام إذا أراد استحلاف من لزمته يمينٌ لغيره فرآه ماضيًا على اليمين أن يذكِّره بالله ╡ ويعظه ويتلو عليه قول الله ╡: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٍ(6)}[آل عمران:77]، ليرتدع عن اليمين إن كان مبطلًا فيها، ولذلك أمر النبيُّ صلعم أن يوقف كلَّ واحدٍ منهما عند الخامسة، فيقال له: اتَّق الله، فإنَّها الموجبة التي توجب عذاب الله وإنَّ عذاب(7) الدنيا أهون من عذاب الآخرة.
          قال ابن المنذر: وفيه بدء الإمام بعظة الزوجين والبدء بالزوج في ذلك قبل المرأة.


[1] في (ص): ((قال)).
[2] قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((قال)).
[4] في (ص): ((قال)).
[5] قوله: ((الله يعلم)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((وأيمانهم ثمنًا قليلًا.... ولهم عذاب أليم)) ليس في (ص)، و زاد: ((الآية)).
[7] في (ص): ((هَوان)).