شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الشقاق

          ░13▒ بَاب الشِّقَاقِ، وَهَلْ يُشِيرُ بِالْخُلْعِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَقَوْلِهِ تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا(1)} الآية[النساء:35].
          فيه الْمِسْوَرُ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوني في أَنْ يَنْكِحَ عَلِيٌّ ابْنَتَهُمْ، فَلا آذَنُ). [خ¦5278]
          قال المُهَلَّب: إنَّه(2) حاول البخاريُّ بإدخال حديث المسور في هذا الباب أن يجعل قول النبيِّ صلعم: (فَلَا آذَنُ) خلعًا، ولا يقوى هذا المعنى؛ لأنَّه قال في الحديث: (إِلَّا أَنْ يُرِيد ابنُ أَبِي طَالِب أَنْ يُطَلِّق ابنَتِي)، فدلَّ على الطلاق، فإن أراد أن يستدلَّ من دليل الطلاق على الخلع، فهو دليلٌ من دليلٍ(3)، وذلك ضعيفٌ، وإنَّما فيه الشقاق والإشارة بالطلاق من خوفه، وفيه الحكم بقطع الذرائع؛ لأنَّه تعالى أمر ببعثه الحكمين عند خوف الشقاق قبل وقوعه.
          وأجمع العلماء أنَّ المخاطب بقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ(4)}[النساء:35]الحكَّام والأمراء، وأنَّ قوله تعالى: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا}[النساء:35]، يعني: الحكمين، وأنَّ الحكمين لا يكونان إلَّا من أهل الرجل، والثاني من أهل المرأة، إلَّا أن يوجد من أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما، وأنَّ الحكمين إذا اختلفا لم ينفذ قولهما، وأنَّ قولهما نافذٌ في الجمع بينهما بغير توكيلٍ من الزوجين.
          واختلفوا في الفرقة بينهما هل تحتاج إلى توكيلٍ من الزوجين أم لا؟ فقال مالكٌ والأوزاعيُّ وإسحاق: يجوز قولهما في الفرقة والاجتماع بغير توكيلٍ من الزوجين ولا إذنٍ منهما في ذلك، روي هذا عن عثمان وعليِّ بن أبي طالبٍ وابن عبَّاسٍ، وعن الشَّعبيِّ والنخعيِّ. وقال الكوفيُّون والشافعيُّ: ليس لهما أن يفرِّقا إلَّا أن يجعل الزوج إليهما التفريق، وهو قول عطاءٍ والحسن، وبه قال أبو ثورٍ وأحمد.
          واحتجَّ أبو حنيفة بقول عليٍّ للزوج:(لا تبرح حتَّى ترضى بما رضيت به، فدلَّ أنَّ مذهبه لا يفرِّقان إلَّا برضا الزوج، قالوا: والأصل المجتمع عليه أنَّ الطلاق بيد الزوج أو بيد من جعل ذلك إليه وجعله من باب طلاق السلطان على المولي والعنِّين).
          قال ابن المنذر: ولمَّا كان المخاطبون بقوله تعالى: {فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا}[النساء:35]الحكام وأنَّ ذلك إليهم دلَّ على أنَّ التفريق إليهم، ولو لم يكن كذلك ما كان للبعثة معنى.
          وقال مالكٌ في الحكمين يطلِّقان ثلاثًا قال: تكون واحدةً، وليس لهما الفراق بأكثر من واحدةٍ بائنةٍ.
          وقال ابن القاسم: تلزمه الثلاث إن اجتمعا عليها على حديث زيدٍ، وقاله المغيرة وأشهب وابن الماجِشون وأصبغ.
          وقال ابن الموَّاز(5): إن حكم أحدهما بواحدةٍ والآخر بثلاثٍ فهي واحدةٌ، وحكى ابن حبيبٍ عن أصبغ أنَّ ذلك ليس بشيءٍ(6).


[1] قوله: ((فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((إنما)).
[3] قوله: ((على الخلع، فهو دليل من دليل)) ليس في (ص).
[4] زاد في (ص): ((شقاق بينهما)).
[5] قوله: ((وقال ابن المواز)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((وحكى ابن حبيب، عن أصبغ، أن ذلك ليس بشيء)) ليس في (ص).