شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا طلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق

          ░2▒ بَاب إِذَا طُلِّقَتِ الْحَائِضُ، هَل تَعْتَدُّ بِذَلِكَ الطَّلاقِ.
          فيه ابْنُ عُمَرَ: (أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذلك عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلعم فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا(1)، قُلْتُ: تُحْتَسَبُ به؟ قَالَ: فَمَهْ؟). [خ¦5252]
          وقَالَ يُونُس بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: (قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ، وَاسْتَحْمَقَ).
          وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: (حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ).
          الطلاق يقع في الحيض عند جماعة الفقهاء(2)، وإن كان عندهم مكروهًا غير سنَّةٍ، ولا يخالف الجماعة في ذلك إلَّا طائفةٌ من أهل البدع لا يُعتَدَّ بخلافها، فقالوا: لا يقع الطلاق في الحيض ولا في طهرٍ قد جامع فيه، وهذا قول أهل الظاهر، وهو شذوذٌ لم يُعرِّج عليه العلماء؛ لأنَّ ابن عمر الذي عرضت له القصَّة احتسب بتلك التطليقة، وأفتى بذلك.
          وفي أمر رسول الله صلعم ابن عمر(3) بمراجعتها دليلٌ بيِّنٌ على أنَّ الطلاق في الحيض واقعٌ لازمٌ(4)؛ لأنَّ المراجعة لا تكون إلَّا بعد صحَّة الطلاق ولزومه؛ لأنَّه من لم يطلِّق لا يقال له: راجع؛ لأنَّه محالٌ أن يقال لرجلٍ زوجته في عصمته لم يفارقها: راجعها، بل كان يقال له: طلاقك لم يعمل شيئًا، ألا ترى قول الله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}[البقرة:228]، يعني: في العدَّة، وهذا لا يستقيم أن يقال مثله في الزوجات غير المطلَّقات.
          قال المُهَلَّب: وقوله: (أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ، وَاسْتَحْمَقَ)، يعني: أرأيت إن عجز في المراجعة التي أمر بها عن إيقاع الطلاق واستحمق(5)، أي فقد عقله، فلم تمكن منه الرجعة، أتبقى مُعلَّقةً لا ذات زوجٍ ولا مطلقةً؟ وقد نهى الله تعالى عن ترك المرأة في هذا(6) الحال، فلا بدَّ أن يحتسب بتلك التطليقة التي أوقعها على غير وجهها، كما أنَّه لو عجز عن فرضٍ آخر لله تعالى فلم يُقِمه واستحمق فلم يأت به، أكان يعذر بذلك(7)؟! وهذا إنكارٌ على من شكَّ أنَّه لم يعتدَّ بتلك التطليقة، وقد روى قَتادة عن يونس بن جبيرٍ: قلت لابن عمر: أجعل ذلك طلاقًا؟ قال: إن كان ابن عمر عجز واستحمق، فما يمنعه أن يكون طلاقًا.
          وقوله: (فَمَهْ) استفهامٌ، كأنَّه قال: فما يكون إن لم يحتسب بتلك التطليقة، والعرب تبدل الهاء بالألف؛ لقرب مخرجها كقولهم:
وَمَهمَا يَكُن عِندَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَـةٍ
          والأصل: وما(8) يكون عند امرئٍ، فأبدل الهاء من الألف، وقد أبدلت الهاء من أخت الألف وهي الياء في قولهم: هذه، وإنَّما أرادوا هذي(9)، كما أبدلت الياء من الهاء في قولهم: دَهْدَيت الحجر، والأصل: دهدهت، وقالوا: دهدوهة الجمل ودهدوة، وإنَّما اجتمعت الياء(10) والألف والواو والهاء في بدل بعضها من بعض لتشابههما، ولأجل تشابههما اجتمعن في أن يكنَّ ضمائر، وفي أن يكنَّ وصلًا في القوافي، وقد أبدلت الهاء من الهمزة في قولهم: أرقت وهرقت، وإيَّاك وهيَّاك، وأرجت(11) وهرجت.


[1] في (ص): ((فقال: ليراجعها)).
[2] في (ص): ((العلماء)).
[3] قوله: ((ابن عمر)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((لازم واقع)).
[5] قوله: ((يعني: أرأيت إن عجز في المراجعة التي أمر بها عن إيقاع الطلاق واستحمق)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((بهذه)).
[7] زاد في (ص): ((وسقط عنه)).
[8] في (ص): ((ما)).
[9] في (ص): ((هذا)).
[10] في (ص): ((الواو)).
[11] في (ص): ((وكأرجت)).