شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن

          ░19▒ بَاب نِكَاحِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكَاتِ وَعِدَّتِهِنَّ.
          فيه ابْنُ عَبَّاسٍ: (كَانَ الْمُشْرِكُونَ على مَنْزِلَتَيْنِ مِنَ النَّبيِّ صلعم وَالْمُؤْمِنِينَ، كَانُوا مُشْرِكِي أَهْلِ حَرْبٍ، يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ، لا يُقَاتِلُهُمْ وَلا يُقَاتِلُونَهُ، فكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ، وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ، / فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ، وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ مِثْلَ ذلك، فَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الْعَهْدِ لَمْ يُرَدُّوا وَرُدَّتْ أَثْمَانُهُمْ). [خ¦5286] [خ¦5287]
          وَقَالَ عَطَاءٌ لابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَتْ قَرِيبَةُ ابنةُ أبي أُمَيَّةَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَطَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أبي سُفْيَانَ وَكَانَتْ أُمُّ الْحَكَمِ ابنةُ أبي سُفْيَانَ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ الْفِهْرِيِّ، فَطَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُاللهِ بْنُ عُثْمانَ الثَّقَفِيُّ.
          قال المؤلِّف: إذا أسلمت المشركة وهاجرت إلى المسلمين فقد وقعت الفرقة بإسلامها بينها وبين زوجها الكافر عند جماعة الفقهاء، ووجب استبراؤها بثلاث حيضٍ، ثمَّ بذلك تحلُّ للأزواج، هذا قول مالكٍ والليث والأوزاعيِّ وأبي يوسف ومحمِّدٍ والشافعيِّ.
          وقال أبو حنيفة: إذا خرجت الحربيَّة إلينا مسلمةً ولها زوجٌ كافرٌ في دار الحرب فقد وقعت الفرقة ولا عدَّة عليها، وإنَّما عليها استبراء رحمها بحيضةٍ، واعتلَّ بأنَّ العدَّة إنَّما تكون في طلاقٍ، وإسلامها فسخٌ وليس بطلاقٍ، قالوا: وهذا تأويلٌ حديث ابن عبَّاسٍ: أنَّه إذا هاجرت امرأةٌ من أهل الحرب لم تخطب حتَّى تحيض وتطهر، أنَّ المراد بذلك الاستبراء، وتأويل هذا عند مالكٍ والليث ومن وافقهما ثلاث حيضٍ؛ لأنَّها قد حصلت بالهجرة من جملة الحرائر المسلمات، ولا براءة لرحم حرَّةٍ بأقلَّ من ثلاث حيضٍ.
          وأكثر العلماء على أنَّ زوجها إن هاجر مسلمًا قبل انقضاء عدَّتها أنَّه أحقُّ بها، وسيأتي اختلافهم في ذلك في الباب بعد هذا، إن شاء الله تعالى.
          واتَّفقوا أنَّ الأمَة إذا سبيت أنَّ استبراءها حيضةٌ.
          وأمَّا قوله: (وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ)، فهذا في أهل الحرب، وأمَّا أهل العهد، فيردُّ إليهم الثمن عوضًا منهم؛ لأنَّه لا يحلُّ للمشركين تملُّك المسلمين، فيكون وزن الثمن فيهم من باب فداء أسرى المسلمين، وإنَّما لم يجز تملُّك العبد والأمة إذا هاجرا مسلمين من أجل ارتفاع العلَّة الموجبة لاسترقاق المشركين، وهي وجود الكفر فيهم، فإذا أسلموا قبل القدرة عليهم وقبيل(1) الغلبة لهم وجاءونا مسلمين، كان حكمهم حكم من هاجر من مكَّة إلى المدينة في تمام حرمة الإسلام والحريَّة إن شاء الله تعالى.


[1] في (ص): ((قبيل)).