شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: لو كنت راجمًا بغير بينة

          ░31▒ بَاب قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: (لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ).
          فيه ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَنَّهُ ذُكِرَ التَّلاعُنُ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ في ذَلِكَ قَوْلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إلى النَّبيِّ صلعم فَأَخْبَرَهُ بالذي وَجَدَ عَلَيْهِ(1) امْرَأَتَهُ، وكَانَ(2) ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا، قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الذي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدْلًا(3) كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: اللَّهُمَّ بَيِّنْ، فَجَاءَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الذي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ، فَلاعَنَ النَّبيُّ صلعم بَيْنَهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ لابْنِ عَبَّاسٍ في الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ الله صلعم: لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ؟ فَقَالَ: لَا، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ في الإسْلامِ السُّوءَ). [خ¦5310]
          وترجم له: باب قول الإمام: اللَّهُمَّ بين.
          قال المُهَلَّب: فيه أنَّه قد يبتلى / الإنسان بقوله، وذلك أنَّ عاصم بن عديٍّ كان قد قال عند النَّبيِّ صلعم أنَّه لو وجد مع امرأته رجلًا لضربه بالسيف حتَّى يقتله، فابتلاه الله بعويمرٍ رجلٍ من قومه ليريه الله تعالى كيف حكمه في ذلك، وليعرفه أنَّ التسلُّط في الدماء لا يسوغ بالدعوى، ولا يكون إلَّا بحكمٍ من الله ╡ ليرفع أمر الجاهليَّة.
          وأمَّا قوله: (لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ)، في المرأة التي كانت تعلن بالسوء، أي لو كنت متعديًّا حقَّ الله فيها إلى ما قام من الدلالة عليها لرجمت هذه، لبيان الدلائل على فسقها، ولكن ليس لأحدٍ أن يرجم بغير بيِّنةٍ فيتعدى حدود الله، والله قد نصَّ أن لا يتعدَّى حدوده لما أراد ╡ من ستر عباده.
          قال غيره: وقوله صلعم: (اللَّهُمَّ بَيِّن)، معناه: الحرص على أن يعلم من باطن المسألة ما يقف به على حقيقتها، وإن كانت شريعته قد أحكمها الله ╡(4) في القضاء بالظاهر، وإنَّما صارت شرائع الأنبياء صلى الله عليهم يقضى فيها بالظاهر؛ لأنَّها تكون سننًا لمن بعدهم من أمَّتهم ممَّن لا سبيل له إلى وحيٍ يعلم به بواطن الأمور.
          وقال ابن قتيبة في قوله: خَدْلٍ، الخدل العظيم الساقين، وهو ضدُّ الحمش، يقال: رجلٌ حمشٌ الساقين إذا كان رقيقهما، وخدلٌ إذا كان عظيمهما.


[1] زاد في (ص): ((الرجل)).
[2] في (ص): ((فكان)).
[3] في (ص) صورتها: ((جدل)).
[4] قوله: ((الله ╡)) ليس في (ص).