الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب المصلى يناجى ربه

          ░8▒ (باب الْمُصَلِّي) أي: فرضاً أو نفلاً (يُنَاجِي رَبَّهُ ╡) ويناجي بضم أوله من المناجاة، وهي محادثة الغير، وأصله من النجوة وهو ما ارتفع من الأرض فكأن المناجى يرتفع مع المناجي ولا ريب أن مناجاة الرب أرفع درجات العبد وأن وقوف العبد في الصلاة كوقوف الخادم بين يدي مالكه فينبغي له مراعاة الأدب.
          قال ابن الملقن: الحديث دال على تفضيل الصلاة على سائر الأعمال؛ لأن المناجاة لا تحصل إلا فيها فينبغي استحضار النية ولزوم الخشوع وترك العوارض وما أحسن قول بعض الصالحين إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أن الله مقبل عليك فأقبل على من هو مقبل عليك وقريب منك وناظر إليك فإذا ركعت فلا تأمل أن ترفع وإذا رفعت فلا تأمل أن تضع ومثل الجنة عن يمينك والنار عن شمالك والصراط تحت قدمك فحينئذ فتكون مصلياً.
          وقال في ((الفتح)) ومناسبة هذه الترجمة لما قبلها من جهة أن الأحاديث السابقة دلت على مدح من أوقع الصلاة في وقتها وذم من أخرجها عن وقتها ومناجاة الرب أرفع درجات العبد.
          فأشار المصنف بإيراده ذلك إلى الترغيب في المحافظة على الفرائض في أوقاتها لتحصيل هذه المنزلة السنية التي يخشى فواتها على من قصر في ذلك.
          وقال ابن رجب: وإنما خرج البخاري هذه الأحاديث في هذا الباب ليبين بذلك فضل الصلاة وأن المصلي ناج لربه في صلاته وإذا كان المصلي مناجياً لربه وكان ربه قد أوجب عليه أن يناجيه كل يوم وليلة خمس مرات في خمس أوقات واستدعاه لمناجاته بدخول الوقت والأذان فيه فإن الأذان يشرع في أول الوقت فأفضل المناجين له أسرعهم إجابة لداعيه وقياماً إلى مناجاته ومبادرة إليها في أول الوقت. /
          ولهذا المعنى والله أعلم خرجه المصنف في أبواب مواقيت الصلاة ويستدل لذلك بأن الله تعالى لما استدعى موسى ◙ لمناجاته وكلامه أسرع إليه تعالى فقال له ربه: وما عجلك عن قومك يا موسى قال هم أولائي على إثري وعجلت إليك ربِّ لترضى.
          فدل على أن المسارعة إلى مناجاته الله تعالى توجب رضاه وهذا دليل حسنٌ على فضل الصلاة في أول أوقاتها.
          وقال القسطلاني: واعلم أنه لا تتحقق المناجاة إلا إذا كان اللسان معبراً عما في القلب فالغفلة ضد ولا ريب أن المقصود من القراءة والأذكار مناجاته تعالى فإذا كان القلب محجوباً بإيجاب الغفلة غافلاً عن جلال الله ╡ وكبريائه وكان اللسان يتحرك بحكم العادة فما أبعد ذلك عن القبول.