الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعًا

          ░20▒ (باب ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ) بكسر عين الأول، وفتح فاء الثاني مع عينه ولامه وللأصيلي: <أو العتمة> (وَمَنْ رَآهُ وَاسِعاً) أي: من رأى ذكر العتمة والعشاء جائزاً وهذا يحتمل الجواز من غير كراهة فيخالف ما تقدم ويحتمل الجواز معها فيوافقه؛ لأن المكروه تنزيهاً يطلق عليه جائز فافهم.
          وقال في (الفتح الباري): غاير المصنف بين الترجمتين مع أن سياق الحديثين فيهما واحد وهو النهي عن غلبة الأعراب بحسب ذلك على التسميتين لأنه لم يثبت عن النبي ◙ إطلاق اسم العشاء على المغرب وثبت عنه إطلاق اسم العتمة على العشاء فتصرف المصنف في الترجمتين بحسب ذلك ثم قال.
          واختلف السلف في ذلك فمنهم من كرهه كابن عمر راوي الحديث ومنهم من أطلق جوازه كأبي بكر الصديق وغيره ومنهم من جعله خلاف الأولى وهو الراجح عند المصنف ونقله ابن المنذر عن مالك والشافعي واختاره.
          وقال القرطبي عن غيره إنما نهى عن ذلك تنزيهاً لهذه العبادة الشرعية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعله دنيوية وهي الحلبة التي كانوا يحلبونها في ذلك الوقت ويسمونها العتمة وبعضهم أن تلك الحلبة إنما كانوا يعتمدونها في زمان الحدب خوفاً من الصعاليك فعلى هذا هي فعلة دنيوية مكروه لا تطلق على فعله دنيئة محبوبة.
          (قَالَ) وللهروي: (وقال) (أَبُو هُرَيْرَةَ) ☺، قال في ((الفتح)) هذا شروع من المصنف في إيراد أطراف أحاديث محذوفة الأسانيد كلها صحيحة مخرجة في أمكنة أخرى حاصلها ثبوت تسمية من الصلاة تارة عتمة وتارة عشاء.
          وأما الأحاديث / التي لا تسمية فيها بل فيها إطلاق الفعل كقوله أعتم النبي ففائدة إيرادها الإشارة إلى النهي عن ذلك إنما هو لإطلاق الاسم لا لمنع تأخير الصلاة عن أول وقتها.
          وحديث أبي هريرة هذا وصله المصنف بلفظ الأول في باب فضل جماعة وبلفظ العتمة في باب الاستفهام بالأذان.
          (عَنِ النَّبِيِّ صلعم: أَثْقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ) لأنه وقت راحة للبدن فهذا علامة على النفاق، والظاهر أنه النفاق القلبي لا العلني.
          (وَقَال) أي: النبي ويحتمل أبو هريرة ناقلاً له عن النبي صلعم (لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالْفَجْرِ) تتمة الحديث الذي هو جواب لو لأتوهماً ولو حبواً رواه مسلم فضمير يعلمون للمنافقين فسمى الصلاة تارة عشاء وتارة عتمة فدل على الجواز.
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) أي: البخاري وسقط للأصيلي (والاختيار أَنْ يَقُولَ) أي: القائل وفي بعض الأصول أن تقول بالخطابي (الْعِشَاءُ) أي: يسميها بذلك (لِقَوْلِهِ تَعَالَى) ولأبي ذر لقول الله تعالى: ({وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ} [النور:58]) قال الكرماني: كأنه اقتبس مما ثبت أنه صلعم قال لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنها في كتاب الله تعالى العشاء.
          قال ابن المنير: هذا لا يتناول لفظ الترجمة فإن لفظها يفهم التسوية وهذا ظاهر في الترجيح.
          وأجاب في ((الفتح)) بأنه لا تنافي بين الجواز والأولوية فالشيئان إذا كانا جائزي الفعل قد يكون أحدهما أولى من الآخر وإنما صار عنده أولى لموافقة لفظ القرآن ويترجح أيضاً بأنه أكثر ما ورد عن النبي صلعم وبأن تسميتها عشاء يشعر بأول وقتها بخلاف تسميتها عتمة؛ لأنه يشعر بخلاف ذلك وبأن لفظ في الترجمة لا ينافي ذلك ما ذكر أنه الاختيار وهو واضح لمن نظره لأنه قال من كره فأشار إلى الخلاف ومن نقل الخلاف لا يمتنع عليه أن يختار.
          (وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي مُوسَى) أي: الأشعري سيأتي وصله بعد باب للمصنف وكأنه لم يجزم به لأنه اختصر لفظه.
          قال الزركشي: وهذا أحد ما يرد به على ابن الصلاح أن تعليقات المصنف بصيغة التمريض لا تكون صحيحة عنده.
          وأجاب البرماوي كالعراق بأن ابن الصلاح إنما قال لا تدل على الصحة ولم يقل أنها تدل على الضعف وبينهما فرق ومثله للعراقي وزاد أن البخاري قد يفعل ذلك لمعنى غير التضعيف كإيراد الحديث بالمعنى والاقتصار على بعضه لوجود الاختلاف في جوازه وإن كان يرى الجواز.
          (قَالَ كُنَّا نَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صلعم) أي: نأتيه نوبة بعد أخرى (عِنْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ فَأَعْتَمَ بِهَا) أي: بصلاة العشاء وأعتم من الاعتمام، وهو التأخير حتى يشتد ظلام الليل، والأظهر أن عتم بمعنى دخل في العتمة.
          قاله في ((الفتح)) وفيه تسميتها بالعشاء والعتمة كلاحقه في قوله: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس) مما وصله المصنف في النوم قبل العشاء (وَعَائِشَةُ) أي: وقالت عائشة مما وصله أيضاً في باب فضل العشاء.
          (أَعْتَمَ) بقطع الهمزة (النَّبِيُّ صلعم بِالْعِشَاء) أي: بصلاتها (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) هو عروة بن الزبير (عَنْ عَائِشَةَ) مما وصله المصنف في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل (أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلعم بِالْعَتَمَةِ) هذا فيه العتمة.
          (وَقَالَ جَابِرٌ) / أي: ابن عبد الله مما وصله المصنف مطولاً في باب وقت المغرب وفي باب وقت العشاء وهذا كالتعاليق الثلاثة بعده يدل على إطلاق العشاء وهو الوارد في القرآن (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُصَلِّي الْعِشَاءَ) أي: الآخرة.
          (وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ) أي: الأسلمي مما وصله المصنف مطولاً في باب وقت العصر (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ. وَقَالَ أَنَسٌ) أي: ابن مالك مما وصله المصنف مطولاً في باب العشاء إلى نصف الليل.
          (أَخَّرَ النَّبِيُّ صلعم الْعِشَاءَ الآخِرَةَ) بكسر الخاء (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) أي: ابن الخطاب (وَأَبُو أَيُّوبَ) أي: الأنصاري (وَابْنُ عَبَّاسٍ ♥) مما وصله المصنف الأول في الحج والثاني في حجة الوداع والثالث في تأخير الظهر إلى العصر لكن بألفاظ متقاربة لكن اللفظ في قوله: ([صَلَّى النَّبِيُّ] صلعم الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) لفظ ابن عمر بزيادة بالمزدلف جمعاً.