الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من نسى صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة

          ░37▒ (باب مَنْ نَسِي) بكسر السين (صَلاَةً) نكرها لتعم أيَّ صلاة نسي فعلها حتى خرج وقتها (فَلْيُصَلِّ) بتشديد اللام؛ أي: فليصلها (إِذَا ذَكَرَهَا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: بحذف الهاء ويجوز قراءة فليصل بفتح التحتية وسكون اللام كما هو رواية في حديث الباب (وَلاَ يُعِيدُ) يعني في رواية الأكثر وللأصيلي ولا يعيد بالنهي فهو مجزوم بالسكون وحذفت الياء لالتقاء الساكنين والمراد به لا يقضي.
          (إِلاَّ تِلْكَ الصَّلاَةَ) فإن الإعادة شرعاً فعل العبادة ثانياً في وقتها، وفيها إشارة إلى الرد على من قال أنه إذا ذكر المنسية بعد أن صلى صاحبة الوقت يعيد المنسية ثم صاحبة الوقت لعدم سقوط الترتيب عنده بالنسيان وجمهور الشرطين له على سقوط بالنسيان.
          واحترز المصنف بالنسيان عن العمد / فإنه يلزم إعادتهما لعدم الصحة عند من يشترط الترتيب فاعرفه.
          وقال ابن المنير: صرح البخاري بإثبات هذا الحكم مع أنه مما اختلف فيه لقوة دليله ولكونه على وفق القياس إذا الواجب خمس صلوات لا أكثر فمن قضى الفائتة كمل عدد المأمور به، ولكونه على مقتضى ظاهر الخطاب لقول الشارع فليصلها ولم يذكر زيادة.
          وقال أيضاً: لا كفارة لها إلا ذلك فاستفيد من الحصر أنه لا يجب غير إعادتها.
          وذهب مالك إلى أن من ذكر بعد أن صلى صلاة أنه لم يصلي التي قبلها فإنه يصلي التي ذكر ثم يصلي التي كان صلاها مراعاه للترتيب انتهى.
          وقال البرماوي تبعاً للكرماني: فيه تعريض بالرد على من قال لو لم يؤد الفائتة حتى أدى خمس صلوات بعدها يجب عليه إعادتها مع إعادة الخمسة بعدها كما يقول الحنفية استدلالاً بحديث لا صلاة لمن عليه فائتة لكنه حجة عليهم فيما لو زادت الفوائت على خمس إذ له الصلاة وعليه الفائتة انتهى.
          وأقول: الحصر به في كتيب الحنفية سقوط الترتيب بالنسيان وفرض المسألة فيه فلا يرد عليهم فلعلّ بعضهم لا يسقطه بالنسيان وقوله لكن حجة عليهم... إلخ فيه محل العمل بالمفهوم عند القائل به إذا لم يعارضه منطوق.
          وقال في ((الفتح)): ويحتمل أن البخاري أشار بقوله ولا يعيد إلا تلك الصلاة إلى تضعيف ما وقع في بعض طرق حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن الصلاة حيث قال فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها فإن بعضهم زعم أن ظاهره إعادة المقضية مرتين عند ذكرها وعند حضور مثلها من الوقت الآتي ولكن اللفظ المذكور ليس نصاً في ذلك؛ لأنه يحتمل أن يريد بقوله فليصلها عند وقتها أي: الصلاة التي تحضر لا أنه يعيد التي صلاها بعد خروج وقتها لكن في رواية أبي داود من حديث عمران بن حصين في هذه القصة من أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحاً فليعرض معها مثلها.
          قال الخطابي: لا أعلم أحدا قال بظاهره وجوباً قال ويشبه أن يكون الأمر فيه لاستحباب ليحرز فضيلة الوقت في القضاء انتهى.
          ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضاً بل عدو الحديث غلطاً من راويه، وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري.
          ويؤيده ما رواه النسائي من حديث عمران بن حصين أيضاً أنهم قالوا يا رسول الله لا يقضيها لوقتها من الغد فقال صلعم: (لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذ منكم) انتهى ما في ((الفتح)).
          وتبعه العيني وأقول: يجوز حمل حديث أبي داود المروي عن عمران على أنه أمره بقضائها من الغد عند حضور مثلها إذا لم يكن قضاها عند تذكرها.
          وفيه إشارة إلى أن قضاءها لا يجب فوراً عند تذكرها.
          وحينئذ فلا وجه لعد الحديث غلطاً من راويه ولا يؤيده الآخران ثبت أنه قال ◙ لمن صلاها فتأمل وأنصف.
          (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) أي: النخعي مما وصله عنه الثوري في ((جامعه)) (مَنْ تَرَكَ صَلاَةً وَاحِدَةً) أي: نسياناً؛ لأن الكلام فيه (عِشْرِينَ سَنَةً) أي: مثلاً وقيد بهما كتقييد الصلاة بالواحدة للمبالغة.
          (لَمْ يُعِدْ إِلاَّ تِلْكَ الصَّلاَةَ الْوَاحِدَةَ) يعني: التي نسيها فقط من صلاة واحدة أو أكثر ولا يعيد ما صلاه أداءً بعدها الفوائت الترتيب.
          ووجه مطابقة هذا التعليق للترجمة ظاهر لأنه لم يوجب عليه في النسيان إلا قضاء تلك الصلاة والترك في الأثر يشمل النسيان وما قلناه في وجه المطابقة أقعد من قول العيني لمن تدبر؛ لأن الغرض من الترجمة بيان النسيان يسقط الترتيب عند القائل به كما يفيده ما في الباب لا أن الغرض تقوية قوله ولا يعيد إلا تلك الصلاة / فافهم.