الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب وقت المغرب

          ░18▒ (باب وَقْتِ الْمَغْرِبِ) أي بيان ابتداء وقت صلاتها الذي صلى فيه النبي صلعم كما يدل له ما في الباب من الأحاديث سوى حديث ابن عباس الأخير وسوى أثر عطاء المتقدم، وقد يحملان على جمع التقديم فيطابقان وبعضهم جعل الترجمة بياناً لوقت المغرب مطلقاً؛ لأن هذين يدلان على التراخي إن حملا على جمع التأخير وما عداهما يدل على التعجيل فافهم.
          وقد استدل به أبو زيد من الحنفية في كتاب الأسرار على أن وقت العصر من مصير ظل كل شيء مثليه لأنه لو كان من مصير ظل كل شيء مثله لكان مساوياً بالوقت الظهر وقد قالوا كنا أكثر عملاً فدل على أنه دون وقت الظهر.
          وأجيب بمنع المساواة لأن المدة التي بين الظهر والعصر أطول من المدة التي بين العصر والمغرب.
          (وَقَالَ عَطَاءٌ) أي: ابن أبي رباح، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه (يَجْمَعُ الْمَرِيضُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) أي: وبين الظهر والعصر / تقديماً وتأخيراً، وأشار بهذا الأثر إلى أن وقت المغرب يمتد إلى العشاء ولو كان مضيقاً لانفصل عن وقت العشاء ولو انفصل لم يجمع بينهما كما الصبح والظهر ولهذه النكتة ختم الباب بحديث ابن عباس الدال على أنه صلعم جمع بين الظهر والعصر في وقت أحدهما وبين المغرب والعشاء كذلك.
          واختلف العلماء في المريض هل يجوز له الجمع بين الصلاتين كالمسافر لما فيه من الرفق به أو لا يجوز له. مالك إن خشي الإغماء وقيل مطلقاً كما في المختصر وجوزه أحمد أيضاً لكن بشرط أن يلحقه بتركه مشقة كما في (المنتهى) وقال في شرحه قال في الإنصاف: الصحيح من المذهب أنه يجوز الجمع لأجل المرض بشرطه وعليه الأصحاب وعنه لا يجوز انتهى.
          فقول ((فتح الباري)) وجوزه أحمد وإسحاق مطلقاً ومالك بشرطه انتهى فيه نظر.
          ولعله له رواية أخرى بذلك والمشهور عن الشافعي وأصحابه المنع، واختار جوازه بعض الشافعية به وبالوحل من المتقدمين والمتأخرين كالخطابي والقاضي حين والروياني تقديماً وتأخيراً لكن الأولى التقديم إن كان يختم مثلاً في وقت الثانية وبالعكس بالعكس.
          قال في ((الفتح)) ولم أر في المسألة نقلاً عن أحد من الصحابة ♥.
          وقال في (الروضة) قلت القول بجواز الجمع في المرض فظاهر مختار، وقال الأسنوي في (المهمات) عقب نقله ظاهره الميل إلى الجواز بالمرض وقد ظفرت بنقله عن الشافعي كذا رأيته في مختصر المزني وهو مختصر لطيف سماه نهاية الاختصار في قول الشافعي فقال والجمع بين الصلاتين في السفر والمطر والمرض جائز انتهى.