الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب التبكير بالصلاة في يوم غيم

          ░34▒ (باب التَّبْكِيرِ) أي: المبادرة (بِالصَّلاَةِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ) وللأصيلي: في يوم الغيم، والعلة في ذلك خوف فوات وقتها وبه يعلم أن لا فرق بين العصر وغيرهما.
          قال الإسماعيلي: جعل البخاري الترجمة لقول بريدة لا للحديث وكأن حقها أن يورد فيها الحديث المطابق لها.
          ثم أورده من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بلفظ: بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من ترك صلاة العصر حبط عمله.
          وأجاب في ((الفتح)): بأن من عادة البخاري أن يترجم ببعض ما يشمل عليه ألفاظ الحديث، ولو لم يوردها بل ولو لم تكن على شرطه فلا إراد عليه.
          وروينا في (سنن سعيد بن منصور) عن عبد العزيز بن رفيع قال: بلغنا أن رسول الله صلعم قال: عجلوا صلاة العصر في يوم الغيم إسناده قوي مع إرسال انتهى.
          واعترضه العيني فقال: ليس هنا ما يشمل على الترجمة من لفظ الحديث ولا من بعضه وكيف لا يورد عليه إذا ذكر ترجمة ولم يورد عليها شيئاً ولا فائدة في ذكر الترجمة عند عدم الإيراد بشيء.
          وأقول: سيأتي قريباً ما قد يرفع الإيراد، وقال قبل هذه الترجمة في التبكير في الصلاة المطلقة يوم الغيم، والحديث لا يطابقها من وجهين:
          أحدهما: أن المطابقة لقول بريدة لا للحديث، والثاني: أن المذكور في الحديث صلاة العصر.
          وفي الترجمة مطلق الصلاة قلت: دلّت القرنية على أن قول بريدة بكروا بالصلاة كان في وقت دخول العصر في يوم غيم فأمر بالتبكير حتى لا يفوتهم بخروج الوقت بتقصيرهم في ترك التبكير.
          وهذا الفعل كتركهم إياها في استحقاق الوعيد ويفهم بإشارته أن بقية الصلوات كذلك؛ لأنها مستوية الإقدام في الفرضية فحينئذ يفهم التطابق بين الحديث والترجمة بطريق الإشارة لا بالتصريح.
          وأقول: بقي عدم المطابقة من الوجه الوجه الأول، وهو أهم بالمراعاة وكلام ((الفتح)) مشير إليه.
          فإن الترجمة فيها لفظ الحديث الذي أورده من طريق الأوزاعي وإن لم يذكره في الباب لكنه ذكر قول بريدة وهو بلفظه لا سيما مع تقدير في يوم الغيم ورأيته في الانتقاض.
          قال وكأن العيني غفل عمّا أورده الفتح من رواية الإسماعيلي لغلبة محبة الاعتراض وهذا وقع للمصنف في غير هذا الموضع فلله دره كالحافظ فتدبر.