الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من أدرك من الصلاة ركعة

          ░29▒ (باب مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاَةِ رَكْعَةً) قال الكرماني: ما حاصلة الفرق بين هذا الباب وما قبله أن الأول فيمن أدرك من الوقت قدر ركعة، وهذا فيمن أدرك من نفس الصلاة ركعة انتهى.
          وأقول: الفرق بينهما ظاهر فإن الأول خاص بالفجر وهذا شامل لسائر الصلوات، وذكر العام بعد الخاص لا سئل عنه لإفادته.
          ثم رأيت العيني والبرماوي وشيخ الإسلام أجابوا بما ذكرته وكأن الكرماني حمل الصلاة على المعهودة التي هي الفجر فدعاه لما ذكره.
          وقيل: الحامل له على ما ذكر أنه قال في حديث الترجمة الأولى أدرك من الصبح؛ أي: من وقت الصبح قدر ركعة وفي حديث الثانية من أدرك من نفس الصلاة ركعة فافترقا ولو حمل الكلام على ما حملنا عليه كان الفرق بما ذكرنا تبعاً للبرماوي وكثيرين.
          وقال في ((فتح الباري)): هكذا ترجمة وساق الحديث بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.
          ورواه مسلم من رواية عبيد الله العمري عن الزهري وأحال به على حديث مالك وأخرجه البيهقي وغيره من الوجه الذي أخرجه مسلم ولفظه كلفظ ترجمة الباب، وقد وضح لنا بالاستقرار أن جميع ما يقع في تراجم البخاري مما يترجم بلفظ الحديث لا يقع فيه شيء مغاير للفظ الحديث الذي يورده إلا وقد ورد من وجهٍ آخر بذلك اللفظ المغاير فلله ردره ما أكثر اطلاعه.
          والظاهر أن هذا أعم من حديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب، ويحتمل أن تكون اللام عهدية فيتحدا، ويؤيده أن كلاً منهما من / رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا مطلق وذاك مقيد فيحمل المطلق على المقيد.
          وقال الكرماني: الفرق بينهما أن الأول فيمن أدرك من الوقت قدر ركعة وهذا فيمن أدرك من الصلاة ركعة كذا قال.
          وقال بعد ذلك وفي الحديث أن من دخل في الصلاة فصلّى بركعة وخرج الوقت كان مدركاً لجميعها وتكون كلها أداءً وهو الصحيح انتهى.
          وهذا يدل على اتحاد الحديثين عنده لجعلهما متعلقين بالوقت بخلاف ما قال أولاً انتهى ما في ((الفتح)).
          وأقول: لا يخفى ما في كلامه فإن قوله وقال الكرماني الفرق بينهما أن الأول... إلخ بعد قوله، والظاهر أن هذا أعم من حديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب... إلخ يقتضي أن الكلام بين الحديثين مع أن كلام الكرماني في الترجمتين وأيضاً ظاهر كلام الكرماني أن الفرق بين هذا الباب والذي قبله.
          وعليه حمل البرماوي والعيني وشيخ الإسلام وكلام الفتح يقتضي أن الكلام في حديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب.
          وأمّا اعتراضه عليه بقوله وقال بعد ذلك إلى قوله وهذا يدل على اتحاد الحديثين إلى آخره فلا يضره لأن كلامه أولاً بين الترجمتين لا بين الحديثين، وثانياً بين الحديثين لا بين الترجمتين وهذا لا معارضة فيه وارد بحديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب ما ذكره المصنف في باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب عن رواية أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته).
          ولا أدري ما الحامل للحافظ ابن حجر على ما ذكره مع أن حديث الباب مع ما قبله بينهما الإطلاق والتقييد فلم لم يجرِ البحث فيهما مع قبولهما له وكون الراوي فيهما عن أبي هريرة فيما قاله أبو سلمة وهنا غيره لا يصلح حاملاً على ما قاله فافهم.