الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين}

          ░2▒ (بابٌ) بالتنوين (قولُ اللَّهِ تَعَالَى) كذا لأبي ذر مبتدأ خبره محذوف؛ أي: فيه مثلاً، وفي رواية غيره: <باب قولِهِ تعالى> بالإضافة، وللأصيلي: <قول الله ╡> بلا باب.
          وقوله ({مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم:31]) حال من فاعل الزموا المقدَّر العامل في فطرة الله، أو من فاعل {فَأَقِمْ} نظراً إلى المعنى فإنه لم يرد به واحد بعينه وفيه توقف، أو نظراً إلى الخطاب له صلعم ولأمته ويؤيده عطف: واتقوا، على أقم على أحد الوجهين الآتيين، أو نظراً إلى حذف المعطوف عليه؛ أي: فأقم أنت وأمتك، كما قاله الزجاج.
          وقيل: إنه حال من الناس أو خبر لكونوا مقدر مدلولاً عليه بقوله ولا تكونوا ومعنى {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} راجعين وتائبين إليه، من الإنابة، وهي التوبة والرجوع مرة أخرى، وقيل: منقطعين إليه من الناب بمعنى: آخر الإنسان لانقطاعه عن غيره، واستبعد بأن الناب يائي وهذا واوي، فتدبر.
          ({وَاتَّقُوهُ}) أي: خافوه وراقبوه في سائر أحوالكم، وهو عطف على {فَأَقِمْ} أو على الزموا المقدر.
          ({وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ}) بتعديل أركانها وشرائطها واستيفاء مكملاتها لأنها الطاعة العظمى وعماد الدين فمن قامها، فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين.
          ({وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}) في أعمالكم غيره والمراد بهم اليهود والنصارى، وقيل: مهمل البدع من هذه الأمة المشار إليهم بقوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم:32] بل كونوا من الموحدين الراجين للغاية المخلصين له العبادة لا تريدون بها سواه {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110].
          وقيل: آية الباب {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم:30] حنيفاً حال من المأمور أو من الدين والمراد به مسلماً كما قاله الضحاك، وقيل: مخلصاً له تعالى دينه غير ملتفت عنه وهو تمثيل للإقبال والاستقامة عليه والاهتمام به وفطرة الله بمعنى: خلقته، نصب على الإغراء، والمراد بلزومها الجريان على موجبها لعدم الإخلال به باتباع الهوى وتسويل الشيطان، وقيل: منصوب بفعل مقدر مدلول بقوله: {فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] أي: خلقهم عليها، وهي قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه.
          وقيل: المراد بفطرة الله ملة الإسلام فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه لأدى بهم إليها ولما اختاروا دنيا غيرها كما يشير إليه قوله صلعم: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذين يهودانه وينصرانه).
          وقيل: الفطرة هي العهد المأخوذ من آدم وذريته وقوله: (لا تبديل لخلق الله) أي: لا يقدر أحد أن يغيره أو لا ينبغي أن يغير.
          وقوله: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم:30] أي: المستوي الذي لا اعوجاج فيه، إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه أو إلى الفطرة {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الروم:30] استقامته لعدم تدبرهم فيصدون عنه، رزقنا الله / الثبات عليه، واعلم أن هذه الآية مما استدل بها من يرى تكفير تارك الصلاة نظراً لمفهومها.
          وأُجيب بأن المراد أن ترك الصلاة من أفعال المشركين، فالنهي منظور فيه إلى التشبيه بهم لا أن من وافقهم فالترك صار مشركاً نعم إن جحد وجوبها فهو كافر إجماعاً، وهي من أعظم ما ورد في القرآن في فضل الصلاة وبهذا يظهر ذكر فضلها في أول كتاب مواقيت الصلاة على ما في بعض الأصول ووجه مناسبة هذه الآية لحديث الباب أن في الآية اقتران نفي الترك بإقامة الصلاة، وفي الحديث اقتران إثبات التوحيد بإقامتها.
          قال ابن الملقن: ومفهوم الآية كمفهوم قوله ◙: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم من حديث جابر، ولفظ النسائي: (ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة) ونحوه من الأحاديث.
          وقال عمر: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. وكان الصديق إذا حضرت الصلاة قال: قوموا إلى ناركم التي أوقدتموها فأطفئوها.
          وقال يحيى بن سعيد كما في ((الموطأ)): بلغني أن أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة، فإن قبلت منه نظر في عمله، وإن لم تقبل منه لم ينظر في شيء من عمله، انتهى.