الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة

          ░36▒ (بَابُ قَضَاءِ) بالمدِّ؛ أي: جواز أداءِ ودفع (الْوَصِيِّ) بتشديد التَّحتيَّة؛ أي: الذي أوصَى إليه الميِّت بتعهُّده (دُيُونَ) جمع دينٍ، ووقعَ في بعض النُّسخ: <دين> (الْمَيِّتِ) أي: الدُّيون التي عليه، قال القسطلانيُّ: ودال ((ديون)) مضمومة ومكسورة كما في ((اليونينيَّة)) (بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الْوَرَثَةِ) ((مَحضرٍ)) بفتح الميم والضَّاد المعجمة / بينهما حاء مهملة ساكنة، مصدرٌ ميميٌّ بمعنى: الحضُور؛ أي: لا يُشترطُ في جوازِ قضاء الوصيِّ الدُّيون عن الميِّت حضُور بعضِ الورثةِ، والظَّاهر: أنَّ الذي يتولَّى قضاء الدُّيونِ عن الميِّت الوصيُّ إن كان، وإلَّا فالوارثُ المطلق التَّصرُّف وولِّي غيره إن كان، وإلَّا فالقاضي.
          وفي ((التَّوضيح)) تبعاً لابن بطَّالٍ: لا خلافَ بين العلماء أنَّ الوصيَّ يجوزُ له أن يقضيَ ديون الميِّت بغير حضُور الورثةِ؛ لحديث جابرٍ؛ لأنَّه لم يحضرْ جميعَ ورثةِ أبيه عند اقتضَاء الغرماء ديونهم، وإنَّما اختلفوا في مُقاسمة الوصيِّ الموصى له على الورثةِ، فروى ابنُ القاسمِ عن مالكٍ أنَّه قال: يجوزُ مُقاسمة الوصيِّ على الصَّغير، ولا يجوزُ على الكبيرِ الغائبِ، وهو قولُ أبي حنيفة، قال مالكٌ: لا يقاسمُ على الكبيرِ الغائبِ إلَّا السُّلطان، قال أبو حنيفة: ومُقَاسمة الورثةِ الوصيَّ على الموصَى له باطلٌ، فإن ضاعَ نصيبُ الموصَى له عند الوصيِّ رجَعَ به على الورثةِ، وأجازَها أبو يوسُفَ، وقال: القسمةُ جائزةٌ على الغيبِ، ولا رجوعَ لهم على الحضرِ وإن ضاعَ ما أخذَ الوصيُّ، وقال الطَّحاويُّ: القياسُ أن لا يقسَمَ على الكبارِ ولا على الموصَى له؛ لأنَّه لا ولاية له عليهم وليس بوصيٍّ للموصى له، انتهى فتأمَّله.