الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس

          ░2▒ (باب أَنْ يَتْرُكَ وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَكَفَّفُوا النَّاسَ) قال في ((الفتح)): هكذا اقتصر على لفظ الحديثِ، فترجَمَ به، قال: ولعلَّه أشار إلى أنَّ من لم يكُنْ له من المال إلا القليلُ لا يُندبُ له الوصيَّةُ، كما مرَّ، انتهى.
          وأقول: ظاهره أنَّ لفظَ الحديث هكذا، ولم أقِفْ عليه هكذا، ثم رأيتُ العَينيَّ قال: أخذَ هذه الترجمةَ من لفظ الحديثِ مع بعضِ تغييرٍ في لفظِه، فإنَّ لفظَ الحديث: ((إنك أن تدَعَ ورثتَكَ...)) إلخ.
          تنبيه: ((أن)) بفتح الهمزة في صَدر الترجمةِ كما في الفرع وأصلِه، فهي مصدريَّةٌ تُسبَكُ مع ما بعدَها بمصدرٍ هو مبتدأٌ، وخبرُه ((خيرٌ)) وهو أفعلُ تفضيلٍ، حذفَتْ همزتُه تخفيفاً، ويحتملُ أنه ضدُّ: شرٍّ.
          وقال العَينيُّ: تقديره: بأنْ يترُكَ؛ أي: تَركُه ورثتَه أغنياءَ خيرٌ، فقوله: ((أن يترُكَ))، في محلِّ الرفعِ على الابتداء، وقولُه: ((خيرٌ)) خبرُه، انتهى.
          وأقول: لا يخفى ما في كلامِه، فإنَّ أولَه يقتضي أنَّ المصدَرَ في محلِّ جرٍّ بالباء، وآخرَه يصرِّحُ بأنه في محلِّ رفعٍ بالابتداء، فافهم.
          وفي بعض الأصولِ المعتمدة: <إن> بكسر الهمزة، بل قدَّمَ هذا الوجهَ شيخُ الإسلام، فقوله: ((يترُك)) فعلُ شرطها مجزومٌ بها، وحُذفَ صدرُ جوابِها؛ أي: إن يترُكْ ورثتَه أغنياءَ فهو خيرٌ، والجملةُ جوابُها، ولا يختصُّ مثل هذا الحذف بالشِّعر، ومَن خصَّه به فقد ضيَّقَ واسعاً، قاله ابنُ مالكٍ، والظاهرُ أن ((أغنياءَ)) حالٌ لا مفعولٌ ثانٍ لـ((يترُكَ)) فافهم، وسيأتي قريباً تفسير التكفُّف.