الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قول الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا}

          ░23▒ (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى) ولأبي ذرٍّ: <╡>؛ أي: باب بيان حالِ أكلِ أموالِ اليَتامى في قوله تعالى: ({إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا}) والمراد: يأخذونها، وعبَّر بالأكل لأنَّه أعظمُ منافعِهِ، و{ظُلْمًا} منصوبٌ على الحال أو المفعول لأجلهِ أو المصدر ({إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}) أي: ما يجرُّ إليها، روى ابنُ حبَّان عن أبي بُردة أنَّه عليه السَّلام قال: ((يبعَثُ الله قوماً من قبورهِمْ تتأجَّج أفواهُهُم ناراً)) فقيل: من هم؟ فقال: ((ألم ترَ أنَّ الله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا})).
          ({وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10]) أي: سيدخلون ناراً ذات لهبٍ يقاسون شدَّتها وحرَّها، قال البيضاويُّ: وقرأ ابن عامرٍ وابن عيَّاش عن عاصم بضمِّ الياء مخفَّفاً، وقُرِئ به مشدَّداً تقول: صلى النَّار: قاسى حرَّها، وصليتُه: شويتُه، وأصليته وصليته: ألقيته فيها.
          و{سَعِيرًا} فعيلٌ بمعنى: مفعولٍ، من سعرتُ النَّار: إذا ألهبتها، وقال الدَّاوديُّ: هذه الآيةُ أشدُّ ما في القرآنِ على المؤمنين؛ لأنَّها خبرٌ، إلَّا أن يريدَ مستحلِّين، وروى ابنُ أبي حاتمٍ بسندِهِ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ قلنا: يا رسولَ اللهِ، ما رأيتَ ليلة أُسرِي بك؟ قال: ((انطلقَ بي إلى خلقٍ مِن خلقِ الله كثير رجال، كلُّ رجلٍ له مشفران كمشفرِ البعيرِ، موكَّلٌ بهم رجالٌ يفكُّون لحي أحدهم، ثمَّ يُجاءُ بصخرةٍ من نارٍ فتقذف في فيِّ أحدِهم حتَّى تخرجَ من أسفلِه وله جؤارٌ وصراخَ، قلتُ: يا جبريلُ، مَن هؤلاء؟ قال: هؤلاء {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا}... الآية)) وقال السُّدِّيُّ: يُبعث آكِلُ مال اليتيم يوم القيامةِ ولهب النَّار يخرج من فيه ومن مسامعِهِ وأنفهِ وعينَيه، يعرفه مَن رآه بآكلِ مال اليتيمِ، لكن قال زيدُ بن أسلم عن أبيه: أنَّ هذه الآيةَ لأهل الشِّرك حين كانوا لا يُورِّثونهم ويأكلون أموالهم.