نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: ألا خمرته ولو أن تعرض عليه عودًا

          5605- (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) أي: ابن سعيد البلخي، قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) هو: ابنُ عبد الحميد، عن الأعمش سُليمان بن مهران (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان (وَأَبِي سُفْيَانَ) طلحة بن نافع القرشي، كذا رواه أكثر أصحاب الأعمش عنه، ورواه أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح وحدَه، أخرجه مسلم. وقد أخرجه الإسماعيلي من وجهٍ آخر عن حفص بن غِيَاث عن الأعمش عن أبي سُفيان عن جابر، وعن أبي صالح، عن أبي هُريرة، وهو شاذٌّ، والمحفوظ عن جابر، كما هنا.
          (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) ☻ ، أنَّه (قَالَ: جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ) مصغَّر حمد هو عبد الرَّحمن، وقيل: المنذر بن سعد السَّاعدي (بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ) ليس مخمرًا (مِنَ النَّقِيعِ) بفتح النون وكسر القاف وبالعين المهملة، هو موضع بوادي العقيق، وهو الذي حماهُ رسول الله صلعم لرعي الغنم، وقيل: إنَّه غير الحمى.
          وقد تقدَّم في «كتاب الجمعة» [خ¦1362] ذكر بقيع الخضمات، فدلَّ على التَّعدد، وكان واديًا يجتمع فيه الماء، والماء النَّاقع هو المجتمع، وقيل: كانت تعمل فيه الآنية، وقيل: هو الباع، حكاه الخطَّابي، وعن الخليل: الوادي الذي يكون فيه الشَّجر. وقال ابن التِّين: رواه أبو الحسن _يعني: القابسي_ بالموحدة، وكذا نقله القاضي عياض عن أبي بحر سُفيان بن العاص، وهو تصحيف، فإنَّ البقيع مقبرة المدينة. وقال القرطبي: الأكثر على النُّون، وهو من ناحية العقيق على عشرين فرسخًا من المدينة.
          (فَقَالَ لَهُ / رَسُولُ اللَّهِ صلعم : أَلاَّ) بفتح الهمزة وتشديد اللام، بمعنى هلا (خَمَّرْتَهُ) بالخاء المعجمة وتشديد الميم؛ أي: غطيته، ومنه خمار المرأة؛ لأنَّه يسترها.
          (وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ) بفتح الفوقية وضم الراء، قاله الأصمعي، وهو رواية الجمهور، وأجاز أبو عبيد كسر الراء، وهو مأخوذ من العرض (عَلَيْهِ عُودًا) والمعنى: إن لم تغطه فلا أقل من أن تجعل العود عليه بالعرض؛ أي: تمده عليه عرضًا لا طولًا. قال الحافظُ العسقلانيُّ: وأظن السِّر في الاكتفاء بعرض العودان تعاطي التَّغطية، إذ العرض تقترن بالتَّسمية، فيكون العرض علامة على التَّسمية، فتمتنع الشَّياطين من الدَّنو منه.
          وقال العينيُّ: ومن فوائده: صيانته من الشَّياطين، فإنَّ الشَّيطان لا يكشف الغطاء، ومن الوباء الذي ينزل من السَّماء في ليلة من السَّنة، ومن النَّجاسة والمقذَّرات، ومن الهامة والحشرات ونحوهما، وقد وقع في رواية مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح وحدَه عن جابر ☺: كنَّا مع رسول الله صلعم فاستسقى فقال رجل: يا رسول الله ألا نسقيك نبيذًا؟ قال: ((بلى))، فخرج الرَّجل يسعى، فجاء بقدح فيه نبيذٌ، فقال رسول الله صلعم : ((ألا خمرته...)) الحديث. وفي رواية مسلم أيضًا من طريق ابن جُريج: أخبرني أبو الزُّبير: أنَّه سمع جابرًا ☺ يقول: أخبرني أبو حميد السَّاعدي قال: أتيت النَّبي صلعم بقدح لبن من النَّقيع ليس مخمَّرًا الحديث. والذي يظهر: أنَّ قصَّة اللَّبن كانت لأبي حميد، وأنَّ جابرًا حضرها، وأنَّ قصَّة النَّبيذ حملها جابر عن أبي حميد، وأبهم أبو حميد صاحبها. ويحتمل أن يكون هو أبا حميد راويها أبهم نفسه، ويحتمل أن يكون غيره، كذا قال الحافظُ العسقلاني.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: ((بقدحٍ من لبن))، وأخرجه مسلم في «الأشربة» أيضًا.