إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا

          4341- 4342- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى) بنُ إسماعيلَ التَّبوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح اليشكريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ) بنُ عمير (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) عامرِ بنِ أبي موسى (قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلعم أَبَا مُوسَى) عبدَ الله بنَ قيس، وهذا مرسلٌ، لكنَّهُ سيأتي _إن شاء الله تعالى_ قريبًا من طريقِ سعيدِ بنِ أبي بردةَ، عن أبيهِ، عن أبي موسى متَّصلًا [خ¦4344] (وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ. قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة آخره فاء، الكورة والإقليمُ والرُّسْتَاقُ _بضم الراء وسكون السين المهملة وفتح الفوقية آخره قاف_ بلغةِ أهلِ اليمنِ (قَالَ: وَاليَمَنُ مِخْلَافَانِ) وكانت جهةُ معاذٍ العليا إلى صوبِ عدنٍ، وجهةُ أبي موسى السُّفلى (ثُمَّ قَالَ) ╕ لهما: (يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا) الأصلُ أن يقال: بشِّرَا ولا تنذِرَا، وآنِسَا ولا تنفِّرَا، فجمعَ بينهما ليعُمَّ البشارةَ والنِّذارةَ والتَّأنيسَ والتَّنفيرَ، فهو من بابِ المقابلةِ المعنويَّة. قالهُ الطِّيبي، وقال الحافظُ ابن حجرٍ: ويظهرُ لي أن النُّكتة في الإتيانِ بلفظِ البشارةِ وهو الأصلُ، وبلفظِ التَّنفير وهو اللَّازمُ، وأتى بالَّذي بعدهُ على العكسِ؛ للإشارةِ إلى أنَّ الإنذارَ لا يُنفى مطلقًا بخلاف التَّنفير، فاكتفى بما يلزمُ عنه الإنذارُ وهو التَّنفير، فكأنَّه قال: إن أنذرتم فليكن بغير تنفيرٍ، كقوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا}[طه:44].
          (فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) من أبي موسى ومعاذ (إِلَى عَمَلِهِ، قَالَ: وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ، أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا) في الزِّيارةِ (فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ) معاذٌ (يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ) إلى أبي موسى (وَإِذَا) بالواو، ولأبي ذرٍّ ”فإذا“ (هُوَ جَالِسٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ) قال ابن حجرٍ: لم أقفْ على اسمه، لكن في روايةِ سعيدِ بن أبي بردةَ _الآتية قريبًا_ أنَّه يهوديٌّ [خ¦4344] (قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ) جملة حالية صفة لرجل (فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ) لأبي موسى: (يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ، أَيَّمَ هَذَا؟) بفتح الياء والميم بغيرِ إشباعٍ، أي: أيُّ شيءٍ هذا‼، وأصلهُ: أي ما، و«أي» استفهامية و«ما» بمعنى: شيء، فحذفت الألف تخفيفًا، ولأبي ذرٍّ ”أيُّ“ بضم الياء (قَالَ) أبو موسى: (هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ. قَالَ) معاذٌ: (لَا أَنْزِلُ) أي: عن بغلتي (حَتَّى يُقْتَلَ. قَالَ) أبو موسى: (إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ) بهمزة وصل، مجزوم على الأمر (قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَأَمَرَ بِهِ) أبو موسى (فَقُتِلَ، ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالَ) لأبي موسى: (يَا عَبْدَ اللهِ(1) كَيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قَالَ) أبو موسى: (أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا) بالفاء ثمَّ القاف، أي: أقرؤهُ شيئًا بعد شيءٍ في آناءِ اللَّيلِ والنَّهارِ؛ يعني: لا أقرؤهُ مرَّةً واحدةً بل أفرِّق قراءته على أوقاتٍ، مأخوذٌ من فواقِ النَّاقةِ، وهو أن تحلبَ ثمَّ تترَك ساعةً حتَّى تدرَّ ثمَّ تحلب (قَالَ) أبو موسى: (فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ) بالفاء (وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ) بضم الجيم وسكون الزاي بعدها همزة مكسورة فياء، أي: أنَّه جزَّأَ اللَّيل أجزاءً جُزءًا للنَّومِ وجزءًا للقراءةِ والقيامِ، وقال الزركشيُّ تبعًا للدِّمياطيِّ: قيل: الوجه قضيتُ أربي. قال في «المصابيح»: وهذا من التحكُّماتِ العاريةِ / من الدَّليلِ. انتهى. فالذي جاء في الرِّوايةِ صحيحٌ، فلا يلتفتُ لتخطئتهِ بمجرَّدِ التَّخيُّل.
          (فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللهُ لِي، فَأَحْتَسِبُ(2) نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي) بهمزة قطع وكسر السين من غير فوقية في «أحتسب»(3) في الموضعين بصيغة الفعل المضارع، أي: أطلب الثَّواب في الرَّاحةِ كما أطلبهُ(4) في التَّعبِ؛ لأنَّ الرَّاحة إذا قصدَ بها الإعانةَ على العبادةِ حصل(5) الثَّواب، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”فاحتسَبْتُ نومتي كما احتسَبْتُ قومَتِي“ بهمزة وصل وفتح السين وسكون الموحدة بعدها فوقية بصيغة الماضي فيها(6).


[1] «يا عبد الله»: ليست في (ص).
[2] في (م) و(ب) و(د) هنا والموضع التالي: «فأحسب».
[3] في (ص) زيادة وهامش (ل): أي: في آخره.
[4] في (ص): «أطلب».
[5] في (ص): «حصلت».
[6] في (د): «وفتح السين آخره فوقية بلفظ الماضي».