إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟

          1347- 1348- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ) المروزيُّ، ولأبي ذَرٍّ: ”محمَّد بن مقاتلٍ“ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المبارك المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا(1) لَيْثُ) بلامٍ واحدٍ، ولأبي ذَرٍّ: ”اللَّيث“ (بْنُ سَعْدٍ) الإمامُ قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (ابْنُ شِهَابٍ) الزُّهريُّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريِّ ( ☻ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى) غزوة (أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ) أي: أيُّ القتلى (أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ) ممَّا يلي القبلة، وحُقَّ لقارىء القرآن الذي خالط لحمه ودمه وأخذ بمجامعه أن يُقدَّم على غيره في حياته في الإمامة، وفي مماته في القبر، وفيه: تقديم الأفضل، فيُقدَّم الرَّجل ولو أمِّيًّا(2)، ثمَّ الصَّبيُّ، ثمَّ الخنثى، ثمَّ المرأة، فإن اتَّحد النَّوع قُدِّم بالأفضليَّة المعروفة في نظائره، كالأفقه، والأقرأ، إلَّا الأب فيُقدَّم على الابن وإن فَضَله‼ الابن؛ لحرمة الأبُوَّة، وكذا الأمُّ مع البنت (وَقَالَ) ╕ : (أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ) أي: حفيظٌ عليهم، أراقب أحوالهم، وأشفع(3) لهم (وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ) ╕ (عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ) بضمِّ أوَّله وفتح ثانيه، والحكمة في ذلك إبقاءُ أثر الشَّهادة عليهم، ولأبي ذَرٍّ: ”ولَمْ يَغْسِلْهُمْ“ بفتح أوَّله وسكون ثانيه. (قَالَ) عبد الله (ابْنُ المُبَاركِ) ولأبي ذَرٍّ: ”وأخبرنا ابن المبارك“ وهو بالإسناد الأوَّل: محمَّد بن مقاتلٍ: أخبرنا عبد الله: أخبرنا الأوزاعيُّ، عن الزُّهريِّ(4) (وَأَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ) عبد الرَّحمن (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ ابن شهاب (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ☻ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَقُولُ لِقَتْلَى أُحُدٍ: أَيُّ هَؤُلَاءِ) القتلى (أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ صَاحِبِهِ) وهذا منقطعٌ؛ لأنَّ ابن شهابٍ لم يسمع من جابرٍ (وَقَالَ جَابِرٌ) المذكور: (فَكُفِّنَ أَبِي) عبد الله بن عمرو بن حَرامٍ (وَعَمِّي) عمرو بن الجموح بن زيد بن حرامٍ، وسمَّاه عمًّا تعظيمًا له، وليس هو عمُّه، بل ابن عمِّه وزوج أخته هند بنت عمرٍو (فِي نَمِرَةٍ وَاحِدَةٍ) بفتح النُّون وكسر الميم: بردةٌ من صوفٍ أو غيره مخطَّطةٌ، وذكر الواقديُّ وابن سعدٍ أنَّهما كُفِّنا في نَمِرتين، فإن صحَّ حُمِلَ على أنَّ النَّمرة الواحدة شُقَّت بينهما نصفين، وفي «طبقات ابن سعدٍ»: أنَّ ذلك كان بأمر رسول الله صلعم ، ولفظه: قالوا: وكان عبد الله بن عمرو بن حرامٍ أوَّل قتيلٍ قُتِلَ من المسلمين يوم أحدٍ، قتله سفيان بن عبد شمس، وقال رسول الله صلعم : «كفِّنوا(5) عبد الله بن عمرٍو، وعمرو بن الجموح في نمرةٍ واحدةٍ(6)» لِمَا كان بينهما من الصَّفاء(7)، وقال: «ادفنوا هذين المتحابَّين في الدُّنيا في قبرٍ واحدٍ» (وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ) بالمثلَّثة، العبديُّ، مما وصله الذُّهليُّ في «الزُّهريَّات»: (حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ) قال: (حَدَّثَني) بالإفراد فيهما (مَنْ سَمِعَ جَابِرًا ☺ ) هو المسمَّى في رواية اللَّيث، وهو عبد الرَّحمن بن كعبٍ بن مالكٍ، وبهذا التَّفسير يمكن نفي الاضطراب الَّذي أطلقه الدَّارقُطنيُّ في هذا الحديث عنه، وأمَّا رواية الأوزاعيِّ المرسلة، فتُصُرِّف فيها بحذف(8) الواسطة، وإنَّما أخرجها مع انقطاعها؛ لأنَّ الحديث عنده عن عبد الله بن المبارك، عن اللَّيث والأوزاعيِّ جميعًا، عن الزُّهرِيِّ، فأسقط الأوزاعيُّ: عبد الرَّحمن بن كعبٍ، وأثبته اللَّيث، وهما في الزُّهريِّ سواء، وقد صرَّحا(9) جميعًا بسماعهما له منه، فقبل زيادة اللَّيث لثقته، ثمَّ قال بعد ذلك: ورواه سليمان بن كثيرٍ، عن الزُّهريِّ، عمَّن سمع جابرًا، وأراد بذلك إثبات الواسطة بين الزُّهريِّ و(10)جابرٍ فيه في الجملة، وتأكيد رواية اللَّيث بذلك، وقد رُدَّ هذا بأنَّ الاختلاف على الثِّقات والإبهام ممَّا يورث الاضطراب، ولا يندفع ذلك بما ذُكِرَ(11)، والله أعلم.


[1] في (د): «حدَّثنا».
[2] في (ج) و(ص): «ابنًا».
[3] في غير (د): «وشفيعٌ».
[4] قوله: «ولأبي ذَرٍّ: وأخبرنا ابن المبارك... أخبرنا الأوزاعيُّ، عن الزُّهريِّ»، جاء في (د) لاحقًا بعد قوله: «بن شهاب».
[5] في غير (ب) و(س): «ادفنوا».
[6] «في نمرةٍ واحدةٍ»: مثبتٌ من (ب) و(س) ليست في (ص)، وفي (م) بياض.
[7] زيد في (د): «في الدُّنيا».
[8] في (د): «بحسب»، وليس بصحيحٍ.
[9] في (د): «صرَّحوا».
[10] زيد في غير (ب) و(د): «بين».
[11] في (د): «ذكره».