إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن النبي كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد

          1345- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الملقَّب بسعدويه البزَّار قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمامُ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ) الزُّهريُّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ) بن مالكٍ(1): (أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريَّ ( ☻ أَخْبَرَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ) في ثوبٍ واحدٍ، وهو مستلزمٌ للجمع في القبر، فهو دالٌّ على التَّرجمة، لكن ليس فيه لفظ: الثَّلاثة. نعم في حديث هشام بن عامرٍ الأنصاريِّ عند أصحاب السُّنن ممَّا ليس على شرط المؤلِّف: جاءت الأنصار إلى رسول الله صلعم يوم أحدٍ، فقالوا: أصابنا جهدٌ، قال: «احفروا، ووسِّعوا، واجعلوا الرَّجلين والثَّلاثة(2) في القبر الواحد(3)» فلعلَّ المصنِّف أشار إلى ذلك، وفي هذا الحديث التَّصريح بأنَّ ذلك إنَّما فُعِل للضَّرورة، وحينئذٍ فالمستحبُّ في حال الاختيار أن يُدفَن كلُّ ميِّتٍ في قبرٍ واحدٍ، فلو جُمِع اثنان في قبرٍ واتَّحد الجنس كرجلين وامرأتين؛ كُرِه عند الماورديِّ، وحَرُم عند السَّرخسيِّ، ونقله عنه النَّوويُّ في «شرح المهذَّب» مقتصرًا عليه، قال السُّبكيُّ: لكنَّ الأصحَّ الكراهةُ أو نفي الاستحباب، أمَّا التَّحريم فلا دليل عليه. انتهى. وأمَّا إذا لم يتَّحد الجنس كرجلٍ وامرأةٍ؛ فإن دعت ضرورةٌ شديدةٌ لذلك جاز، وإلَّا فيحرَم؛ كما في الحياة، ومحلُّ ذلك إذا(4) لم يكن بينهما محرميَّةٌ أو زوجيَّةٌ، وإلَّا فيجوز الجمع، صرَّح به ابن الصَّبَّاغ(5) وغيره؛ كما قاله ابن يونس، ويحجز بين الميِّتين مطلقًا بترابٍ ندبًا، والقياس أنَّ الصَّغير الذي لم يبلغ حدَّ الشَّهوة كالمحرم بل أَولى، وأنَّ الخنثى مع الخنثى أو غيره كالأنثى مع الذَّكر مطلقًا، وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا بأس أن يُدفَن الرَّجل والمرأة في القبر الواحد.


[1] «بن مالك»: مثبتٌ من (ب) و(س). وهي ثابتة هامش (ج).
[2] في (د): «أو الثَّلاثة».
[3] «الواحد»: مثبتٌ من (د).
[4] في (ص): «إذ».
[5] في غير (د) و(س): «الصباح»، وهو تحريفٌ.