إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: هاجرنا مع النبي نلتمس وجه الله

          1276- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ)(1) بضمِّ عين «عُمَر»، قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفص بن غياث بن طلقٍ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران قال: (حَدَّثَنَا شَقِيقٌ) أبو وائل بن سلمة قال: (حَدَّثَنَا خَبَّابٌ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحَّدة الأولى بينهما ألفٌ، ابن الأَرَتِّ، بفتح الهمزة والرَّاء وتشديد المثنَّاة الفوقيَّة ( ☺ قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلعم ) حال كوننا (نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللهِ) أي: ذاته لا الدُّنيا، والمراد بالمعيَّة: الاشتراك في حكم الهجرة؛ إذ لم يكن معه ╕ إلَّا أبو بكرٍ وعامر بن فهيرة (فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ) وفي روايةٍ [خ¦3914]: «وجب أجرنا على الله» أي: وجوبًا شرعيًّا، أي: بما وجب / بوعده الصِّدق لا عقليًّا؛ إذ لا يجب على الله شيءٌ(2) (فَمِنَّا مَنْ مَاتَ(3) لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ) من الغنائم الَّتي تناولها من أدرك زمن الفتوح (شَيْئًا) بل قصر نفسه عن شهواتها؛ لينالها متوفِّرة(4) في الآخرة (مِنْهُمْ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ) بضمِّ العين‼ وفتح الميم، ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدَّار بن قصيٍّ، يجتمع مع النَّبيِّ صلعم في قصيٍّ (وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ) بفتح الهمزة وسكون المثنَّاة التَّحتيَّة وفتح النُّون، أي: أدركت ونضجت (لَهُ ثَمَرَتُهُ) ولأبي ذَرٍّ: ”ثمره“ (فَهُوَ يَهْدَُِبُهَا) بفتح(5) المثنَّاة التَّحتيَّة وسكون الهاء وتثليث الدَّال، أي: يجنيها(6)، وعبَّر بالمضارع؛ ليفيد استمرار الحال الماضية والآتية استحضارًا له(7) في مشاهدة السَّامع (قُتِلَ) أي: مصعبٌ (يَوْمَ أُحُدٍ) قتله عبد الله بن قميئة، والجملة استئنافيَّةٌ (فَلَمْ نَجِدْ) له(8) (مَا نُكَفِّنُهُ) زاد أبو ذَرٍّ: ”به“ (إِلَّا بُرْدَةً، إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا) بها (رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ) لقصرها (فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صلعم أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ) بطرف البردة (وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ) بكسر الهمزة وسكون الذَّال المعجمة وكسر الخاء المعجمة(9) والرَّاء، نبتٌ بالحجاز(10) طيِّب الرَّائحة، وفي الحديث من الفوائد: أنَّ الواجب من الكفن ما يستر(11) العورة، قال في «المجموع»: واحتمال أنَّه لم يكن له غير النَّمرة مدفوعٌ بأنَّه بعيدٌ ممَّن خرج للقتال، وبأنَّه لو سُلِّم ذلك لوجب تتميمه من بيت المال، ثمَّ من المسلمين. انتهى. وقد يُقال: أمرهم بتتميمه بالإذخر، وهو ساتر، ويُجاب بأنَّ التَّكفين به لا يكفي إلَّا عند تعذُّر التَّكفين بالثَّوب؛ كما صرَّح به الجرجانيُّ؛ لما فيه من الإزراء(12) بالميِّت، على أنَّه ورد في أكثر طرق الحديث: أنَّه قُتِل يوم أحدٍ، فلم يخلف إلَّا(13) نمرةً، وبالجملة، فالأصحُّ: أنَّ أقلَّ الكفن ساتر العورة، لكن استشكلَ الإسنويُّ الاقتصار على ساتر العورة بما في النَّفقات من أنَّه لا يحلُّ الاقتصار في كسوة العبد على ساتر العورة وإن(14) لم يتأذَّ بحرٍّ أو بردٍ؛ لأنَّه تحقيرٌ وإذلالٌ، فامتناعه في الميِّت الحرِّ أَولى، وأجيب عنه بأنه لا أولوية، بل ولا تساوي، إذ للغرماء منع الزيادة على الثوب الواحد، والحيُّ(15) المفلس يبقى له ما يحمله لاحتياجه إلى التَّجمُّل للصَّلاة وبين النَّاس، ولأنَّ الميِّت يُستَر بالتُّراب عاجلًا بخلاف العبد، والأَولى أن يُجاب بأنَّه لا فرق بين المسألتين؛ إذ عدم الجواز في تلك ليس لكونه حقًّا لله تعالى في السَّتر، بل لكونه حقًّا للعبد، حتَّى إذا أسقطه جاز، وفي الحديث أيضًا بيان فضيلة مصعب بن عمير، وأنَّه ممَّن لم ينقص له من ثواب الآخرة شيءٌ.


[1] زيد في (د): «بن غياث».
[2] «إذ لا يجب على الله شيءٌ»: سقط من (د).
[3] زيد في (ص): «و».
[4] في (ب) و(د) و(م): «موفَّرةً».
[5] زيد في (د): «الياء».
[6] في غير (د) و(س): «يجتنبه»، وهو تحريفٌ.
[7] «له»: ليس في (م).
[8] «له»: مثبتٌ من (د) و(س).
[9] «المعجمة»: ليس في (د).
[10] في (ب) و(د) و(س): «حجازيٌّ».
[11] في (م): «ستر».
[12] في (م): «الازدراء».
[13] في (د): «غير».
[14] في (د): «وإذ».
[15] كذا في المخطوطين، وفي المطبوع «والحر».