الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: من أين تؤتى الجمعة؟

          ░15▒ (باب: مِنْ أين تُؤْتَى الجُمُعة؟ وعَلى مَنْ تَجِب؟ ...) إلى آخره
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: يعني الوجوب المستفاد مِنْ تلك الآية لمن هو؟ وماذا حدُّه؟ فالجار والمجرور متعلِّقان بالإتيان والوجوب، ثمَّ قوله: (في قرية جامعة) دالٌّ على أنَّ الجمعة ليست في القُرى، وقوله: (وكان أنس في قصره) معناه: أنَّه كان في فناء البصرة، فكان يحضر البصرة أحيانًا ولا يحضرها أحيانًا، بل يقيم الجمعة حيث هو، وإنَّما جاز له ذلك لكونه في فناء البصرة، وأمَّا إن لم يكن قصره مِنْ(1) فنائها فمعناه أنَّه كان يحضر الجمعة في البصرة أحيانًا ولا يحضرها أحيانًا، بل يصلِّي الظُّهر حيث هو في قصره، وذلك لعدم وجوب الجمعة، نعم إذا حضرها أجزأته عن الظُّهر. انتهى.
          وبسط الكلام في «هامشه» أشدَّ البسط، وفيه: هذا مِنْ أشهر المسائل الخلافيَّة، وهي وجوب الجمعة على مَنْ هو خارج المصر... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».
          قوله: (وقال عطاء: إذا كنت في قرية جامعة...) إلى آخره، زاد عبد الرَّزَّاق فيه: قلت لعطاء: ما القرية الجامعة؟ قال: ذات الجماعة، والأمير، والقاضي، والدُّور المجتمعة الآخذة بعضها بعضًا مثل جدَّة. انتهى.
          وهذا عين مذهب الحنفيَّة، والعجب مِنَ المصنِّف ☼ أنَّه حذف تلك القطعة. انتهى مِنْ «فيض الباري»(2). / قوله: (أحيانًا يُجَمِّع...) إلى آخره، في «تقرير المكِّيِّ»: أي: يأتي إلى جامع البصرة فيصلِّي الجمعة فيها (وأحيانًا لا يُجَمِّع) أي: لا يأتي إلى جامع البصرة فلا يصلِّي الجمعة فيها، أو معناه: أحيانًا يصلِّي الجمعة في قصره، وأحيانًا لا يصلِّي الجمعة في قصره، قال: ومراد البخاريِّ المعنى الأوَّل دون الثَّاني. انتهى.
          قلت: وذلك لأنَّ تبويب البخاريِّ بلفظ: (مِنْ أين تؤتى الجمعة؟) يوافق المعنى الأوَّل دون المعنى الثَّاني.
          ثمَّ كتب في «هامش تقريره»: فاعلم أنَّ الجمعة ليست بواجبة في القرى عندنا خلافًا للشَّافعيِّ، فإن قيل: الجمعة لا يجوز(3) أصلًا فكيف صلَّاها أنس في قصره في الزَّاوية؟ قلنا: جواز الجمعة في القرى كان مذهبَ أنس على خلاف مذهبنا، وكذا على خلاف مذهب الشَّافعيِّ، وهو وجوبها في القرى، ثمَّ الحديث ساكت مِنْ أنَّه صلَّى الظُّهر في قصره، أو صلَّى الجمعة في قصره، فإن كان الأوَّلُ ثبت مذهبُنا، وهو عدم وجوب الجمعة، وإن كان الثَّاني ثبت مذهبُ الشَّافعيِّ وهو وجوبها في القرى. انتهى.
          وهذا مِنْ غاية سماحة الشَّيخ رعايةً لمذهب الشَّافعيَّة، وإلَّا فظاهر أثر أنس يوافق الحنفيَّة قطعًا كما يدلُّ عليه تبويب البخاريِّ: (مِنْ أين تؤتى الجمعة؟) وإلَّا فإن كان أنس يصلِّي الجمعة في قصره لا يصحُّ إيراد الإمام البخاريِّ هذا الأثر في هذا الباب، فإنَّ معناه قطعًا أنَّ أنسًا قد يحضر الجمعة في البصرة تحصيلًا لمزيد الأجر والمثوبة، وقد لا يحضر لعدم وجوبها في القرى، وهذا واضح وخالٍ عن الإيرادات الَّتِي أشار إليها الشَّيخ في كلامه. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((في)).
[2] فيض الباري:2/426
[3] في (المطبوع): ((تجوز)).