الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الجمعة في القرى والمدن

          ░11▒ (باب: الجُمُعة في القُرى والمُدُن...) إلى آخره
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: أي: ماذا حكمها؟ ترك تعيين الخبر لمكان الاختلاف فيه، وأورد في الباب ما يَستدلُّ به كلٌّ مِنَ الفريقين، ولنا أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يأمر أهل العوالي ولا غيرهم ممَّن كان مِنْ أطراف المدينة مِنْ أهل القرى، مع أنَّ الجمعة قد فُرِضت في مكَّة، فليس ذلك إلَّا لأنَّ الجمعة لم تكن واجبة، ولا هي مُجْزِئة عنهم لو أقاموها.
          وأما قرية جُواثِي(1)(2) فيجب عليهم إثبات أنَّها كانت قرية، وممَّا يدلُّ على مرام الحنفيَّة قوله: (كنَّا نتناوب الجمعة) مع أنَّه لو كانت واجبة لم يكن للتَّناوب معنى، وقد ثبت أيضًا أنَّهم لم يكونوا يُجَمِّعون ثمَّة، فليس ذلك إلَّا لعدم وجوبها على هؤلاء، ثمَّ حدُّ القرية أن يكون فيه خمسة آلاف مِنْ بين المسلمين والكافرين والنِّساء والصِّبيان. انتهى.
          قد أجمل الشَّيخ الكلام على هذه الأبحاث الطَّويلة الذُّيول كدأبه الشَّريف في هذا «التَّقرير» المنيف اتِّكالًا على فهم الطَّالبين، واكتفاء على بسط مِنَ الكلام في «الكوكب الدُّرِّيِّ» وبسط شيء مِنَ الكلام في «هامش اللَّامع»، وفيه: المسألة مِنْ أشهر المسائل الخلافيَّة، والمشهور على ألسنة النَّاس أنَّ الحنفيَّة لا يجوِّزون الجمعة في القرى بخلاف غيرهم، وهذا مِنْ قلَّة النَّظر على مسالك الأئمَّة الأربعة.
          والعجب مِنَ الحافظ إذ قال: في هذه التَّرجمة إشارة إلى خلاف مَنْ خصَّ الجمعة بالمدن دون القرى، وهو مرويٌّ عن الحنفيَّة. انتهى.
          وظاهره أيضًا يوهم أنَّ الحنفيَّة متفرِّدون بمنع الجمعة في القرى، وليس كذلك، فإنَّ المسألة إجماعيَّة عند الأربعة في أنَّ الجمعة ليست كسائر الصَّلوات تقام في كلِّ المواضع، بل لا بدَّ لها مِنْ نوعٍ مِنَ المدنيَّة(3) مع الاختلاف بينهم في تفاصيل هذه المدنيَّة(4)، كما بسط في «الأوجز».
          وإلى التَّفريق بين القرى مال الإمام البخاريُّ أيضًا كما يدلُّ عليه صنيعه فيما يأتي في (باب: مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الجُمُعَةُ؟) إذ ذكر فيه أثر عطاء: (إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ... ) إلى آخره، فعلم أنَّ القرى بعضها جامعة وبعضها غير جامعة، وقد قال إمام دار الهجرة في «الموطَّأ»: إذا نزل الإمام بقرية تجب فيها الجمعة والإمام مسافر، فإنَّ أهل تلك القرية وغيرهم يُجَمِّعون معه، فإنْ جَمَّع الإمام بقرية لا تجب فيها الجمعة فلا جمعة له، ولا لأهل تلك القرية...(5) إلى آخره (6) / ما قال، فعلم بذلك أنَّ القرى على نوعين عند مالك، وهو كذلك عند بقيَّة الأئمَّة الأربعة، وكذا فروع الشَّافعيَّة أيضًا متظافرة على التَّفريق بين القرى، كما بسط في «الأوجز». انتهى.


[1] في (المطبوع): ((جواثَى)).
[2] (جُواثِي) بضم الجيم وفتح الْواو مخففة ،كذا ضبطها الْأصيلِيُّ بغير همز، وهمزه بَعضهم، وبعد الْألف ثاء مثلثة مقصُورة، مدينَة بالبحرين هو أول مَوضِع جُمعت فيه الْجُمُعَة بعد المدينة. (مشارق الأنوار على صحاح الآثار، 1/186)
[3] في (المطبوع): ((المدينة)).
[4] في (المطبوع): ((المدينة)).
[5] أنظر موطأ الإمام مالك، كتاب الجمعة، باب ما جاء في الإمام ينزل بقرية... (رقم: 14)
[6] في (المطبوع): ((إلى آخر)).