الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط

          ░19▒ (باب: الوَلَاء لمن أَعْتَق، ومِيْرَاثُ اللَّقِيط)
          وفي «هامش المصريَّة» عن شيخ الإسلام: بالرَّفع معطوف على ما قبله، واللَّقيط صغير أو مجنون منبوذ لا كافل له. انتهى.
          قالَ الحافظُ: هذه التَّرجمة معقودة لميراث اللَّقيط، فأشار إلى ترجيح قول الجمهور: إنَّ اللَّقيط حرٌّ، وولاؤه في بيت المال، وإلى ما جاء عن النَّخَعيِّ أنَّ ولاءه للَّذي التقطه(1) واحتجَّ بقول عمر لأبي جميلة في الَّذِي التقطه: ((اذهب فهو حرٌّ، وعلينا نفقته، ولك ولاؤه)) وتقدَّم هذا الأثر معلَّقًا بتمامه في أوائل الشَّهادات. انتهى.
          وكتبَ الشَّيخُ قُدِّس سِرُّه في «اللَّامع»: ولعلَّ الوجه في إيراد اللَّقيط فيه أنَّه ليس معتَقًا لأحد وهو ظاهر، فلا يكون لأحدٍ عليه ولاء العتاقة، ولا هو ممَّن له ذوو(2) قرابة فيجوزوا تَرِكَتَه، فلم يبقَ إلَّا بيت المال. انتهى.
          قلت: ويستفاد مِنْ كلام الشَّيخ قُدِّس سِرُّه أنَّ المقصود بهذه التَّرجمة هو بيان الولاء للمعتق، كما هي مسألة إجماعيَّة، ولمَّا كان يُتوهَّم في بادئ الرَّأي أنَّه ينبغي أن يرث اللَّاقطُ اللَّقيط لكونه بمنزلة المعتق في حقِّ اللَّقيط، فإنَّه صار سببًا لحفظ دمه وماله، فأشار المؤلِّف بذكر اللَّقيط في التَّرجمة إلى دفع هذا التَّوهُّم، ويؤيِّده أيضًا أنَّ المصنِّف لم يذكر في هذا الباب حديثًا مرفوعًا يدلُّ على حكم اللَّقيط في توارثه وعدمه، فلا حاجة حينئذٍ إلى الاعتذار الَّذِي ذكره الشُّرَّاح هاهنا في عدم إيراد المصنِّف ما يدلُّ على حكم اللَّقيط، فللَّه درُّ الشيخ قُدِّس سِرُّه!.
          قالَ الكَرْمانيُّ: فإن قلت: أين ذكرُ ميراث اللَّقيط؟ قلت: هو ممَّا ترجم عليه ولم يتَّفق له إلحاق الحديث به. انتهى.
          وقالَ العينيُّ: قوله: (ميراث اللَّقيط) لم يذكر شيئًا فيه، ثمَّ قالَ بعد نقل كلام الكَرْمانيِّ المذكور: الظَّاهر أنَّه اكتفى بأثر عمر ☺ ، فإنَّ فيه بيانَ حكمِه. انتهى.
          والمسألة خلافيَّة قالَ العينيُّ: قال عمر: اللَّقيط حرٌّ فإذا كان حرًّا يكون ولاؤه في بيت المال، وإليه ذهب مالكٌ والثَّوريُّ والشَّافعيُّ وأحمد، وقال شُريح: إنَّ ولاءه لملتقطه، وبه قال إسحاقُ بن راهَوَيْهِ، وقال أبو حنيفة: له أن ينقل بولائه حيث شاء، فإن عقل عنه الَّذِي والاه جناية لم يكن له أن ينقل ولاءه عنه ويرثه. انتهى.
          وفي «البدائع» في أحكام اللَّقيط: ومنها أنَّ نفقته مِنْ بيت المال، لأنَّ ولاءه له، وقد قال ╕: ((الْخَرَاجُ بالضَّمانِ)) ومنها: أنَّ عقله لبيت المال، لأنَّ عاقلته بيت المال فيكون عقلُه له، ومنها: أنَّ له أن يوالي مَنْ شاء إذا بلغ إلَّا إذا عقل عنه بيت المال، فليس له أن يوالي أحدًا، لأنَّ العقد يلزم بالعقل. انتهى مختصرًا. كذا في «هامش اللَّامع».


[1] في (المطبوع): ((التقط)).
[2] في (المطبوع): ((ذو)).