الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك»

          ░29▒ (باب: الجَنَّة أَقْرَب إلى أحدكم...) إلى آخره
          قالَ الحافظُ: قالَ ابنُ بطَّالٍ: فيه أنَّ الطاعة مُوصِلة إلى الجنَّة وأنَّ المعصية مقرِّبة إلى النَّار، وأنَّ الطَّاعة والمعصية قد تكون في أيسر الأشياء، وتقدَّم في هذا المعنى قريبًا حديث: (إنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ...) الحديث، فينبغي للمرء ألَّا يزهد في قليل مِنَ الخير أن يأتيَه، ولا في قليلٍ مِنَ الشَّرِّ أن يجتنبه، فإنَّه لا يعلم الحسنة الَّتي يرحمه الله بها، ولا السَّيِّئة الَّتي يسخط عليه بها، وقالَ ابنُ الجَوزيِّ: معنى الحديث أنَّ تحصيل الجَنَّة سهلٌ بتصحيح القَصْد وفِعْلِ الطَّاعة، والنَّار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية. انتهى.
          قالَ السِّنْديُّ: قوله: (الجَنَّة أقْرَبُ إلى أحَدِكُمْ...) إلى آخره، لأنَّ حصول كلٍّ منهما يكون منوطًا بكلمة لا يبالي بها المتكلِّم، وأيُّ شيء أقربُ إلى الإنسان ممَّا شأنه ذلك، والله تعالى أعلم. انتهى.
          ذكر المصنِّف فيه حديثين، ومناسبة الأول بالتَّرجمة ظاهرة، وأمَّا الثَّاني فخفيَّة، قالَ القَسْطَلَّانيُّ: ومطابقته للتَّرجمة مِنْ حيثُ إنَّ كلَّ شيءٍ ما خلا اللهَ في الدُّنْيا الَّذِي لا يؤول إلى طاعة الله تعالى ولا يقرِّب منه إذا كان باطلًا يكون الاشتغال به مبعِدًا مِنَ الجَنَّة مع كونها أقربَ إليه مِنْ شِراك نعلِه، قاله العينيُّ.
          وقال: إنَّه مِنَ الفيض الإلهيِّ الَّذِي وقع في خاطره، وقال في «فتح الباري»: مناسبته للتَّرجمة خفيَّة، وكأنَّ التَّرجمة لمَّا تضمَّنت ما في الحديث الأوَّل مِنَ التَّحريض على الطَّاعة ولو قلَّت، والزَّجر عن المعصية ولو قلَّت، تضمَّنت أنَّ مَنْ خالف ذلك إنَّما يخالفه لرغبةٍ في أمرٍ مِنْ أمور الدُّنْيا، وكلُّ ما في الدُّنْيا باطلٌ، كما صرَّح به الحديث الثَّاني، ولا(1) ينبغي للعاقل أن يُؤْثِرَ الفَانيَ عَلَى البَاقِي. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((فلا)).