إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اللهم لك الحمد أنت رب السموات والأرض

          7385- وبه قال: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ) بفتح القاف، ابن عقبة(1) السُّوائيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثّوريُّ (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ) عبد الملك (عَنْ سُلَيْمَانَ) بن مسلمٍ الأحول (عَنْ طَاوُسٍ) الإمام أبي عبد الرَّحمن بن كيسان، وقيل اسمه ذكوان (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) أنَّه (قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ) أي: إذا تهجَّد من الليل: (اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ) وفي رواية «قيَّام» [خ¦7442] وفي أخرى «قيُّوم» وهي من أبنية(2) المبالغة، والقيِّم: معناه القائم بأمور(3) الخلق ومدبِّرهم ومدبِّر العالم في جميع أحواله، والقيُّوم: هو القائم بنفسه مطلقًا لا بغيره، ويقوم به كلُّ موجودٍ حتَّى لا يُتَصوَّر وجود الشَّيء ولا دوام وجوده إلَّا به، وقال التُّوربشتيُّ: معناه أنت الذي تقوم بحفظهما وحفظ من أحاطتا به واشتملتا عليه، وقال: و«مَن» تغليبًا للعقلاء على غيرهم، ولأبي ذرٍّ: ”وما فيهنَّ“ (لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي: ذو نور السَّموات ونور الأرض، وأضاف النُّور إليهما للدَّلالة على سعة إشراقه، وفشوِّ إضاءته حتَّى تضيء له السَّموات والأرض، وجاز [أن] يراد أهل السَّموات والأرض(4)، وأنَّهم يستضيئون به (قَوْلُكَ الحَقُّ)‼ أي: مدلوله ثابتٌ (وَوَعْدُكَ الحَقُّ) الثَّابت المتحقَّق وجوده، فلا يدخله خلفٌ ولا شكٌّ، وعَطَف الوعد على القول وهو قولٌ؛ فهو من عطف الخاصِّ على العامِّ (وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ) أي: رؤيتك في الدَّار الآخرة حيث لا مانع (وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ) كلٌّ منهما موجودٌ (وَالسَّاعَةُ حَقٌّ) قيامها (اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ) انقدت لأمرك ونهيك (وَبِكَ آمَنْتُ) صدَّقت بك وبما أنزلت (وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ) أي: فوَّضت أموري كلّها (وَإِلَيْكَ(5) أَنَبْتُ) رجعت مقبلًا بقلبي عليك (وَبِكَ) أي: بما آتيتني من البراهين والحجج (خَاصَمْتُ) مَنْ خاصمني من الكفَّار (وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ) كلَّ من أبى قبول ما أرسلتني به (فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ) وسقط لفظ «ما» الثَّانية في رواية أبي ذرٍّ (وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ) بغير «ما» فيهما، وقاله تواضعًا و(6) تعليمًا لنا (أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ لِي غَيْرُكَ).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «أنت ربُّ السَّموات والأرض» أي: أنت مالكهما وخالقهما.
          والحديث سبق في «صلاة اللَّيل» [خ¦1120] وفي «الدَّعوات» [خ¦6317].
          وبه قال: (حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ) العابد الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (بِهَذَا) السَّند والمتن المذكورين (وَقَالَ: أَنْتَ الحَقُّ) أي: المتحقَّق وجوده (وَقَوْلُكَ الحَقُّ) وهذا يأتي إن شاء الله تعالى في قوله: «باب قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ}[القيامة:22[خ¦7442].


[1] في (د): «عيينة»، وهو تحريفٌ.
[2] في (د): «أمثلة».
[3] في (ع): «بأمر».
[4] قوله: «وجاز [أن] يراد أهل السَّموات والأرض» مثبتٌ من (د) و(س).
[5] في (د): «وبك»، ولعلَّه سبق نظرٍ.
[6] في غير (د) و(ع): «أو».