شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا التقى الختانان

          ░28▒ بَابُ: إِذَا التَقَى الخِتَانَانِ.
          فيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأرْبَعِ، ثمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الغَسْلُ). [خ¦291]
          ذهب(1) جماعة فقهاء الأمصار(2) إلى وُجُوب الغُسْلِ إذا التقى الختانان وإن لم يُنزلا، على ما ثَبَتَ في هذا الحديث، وقد روى مالكُ في «الموطَّأ» عن عائشة ♦ أنَّها قالت: إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وَجَبَ الغُسْلُ، وهي أعلم(3) بهذا؛ لأنَّها شاهدت تطهُّر(4) رَسُولِ اللهِ صلعم حياته وعاينته عملًا، فقولها أولى ممَّن لم يُشاهد ذلك، ورُوِيَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ خلافه(5)، قال ابن القَصَّارِ: و(6) أجمع التَّابعون ومن بعدهم على القول بهذا الحديث. وإذا كان في المسألة قولان بعد انقراض الصَّحابة، ثمَّ أجمع العصر الثَّاني بعدهم على أحد القولين كان ذلك مُسقطًا للخلاف قبله ويصير ذلك إجماعًا(7)، وإجماع الأعصار عندنا حجَّةٌ كإجماع الصَّحابة، وسنستقصي(8) الكلام(9) في هذه المسألة في الباب الَّذي(10) بعد هذا إن شاء الله ╡ [خ¦292].
          وقوله: ((11) جَهَدَهَا) أي بلغ مَشَقَّتَهَا، قال صاحب «الأفعال»: يُقال: جهدته جهدًا(12)، وأجهدته بلغتُ مَشَقَّتَهُ، هذا قول الأَصْمَعِيِّ، وقال الأَعْشَى:
جَهَدْنَ لَهَـا مـَعَ إِجْهَادِهَـا(13)
          وجَهَدَهُ المرضُ وأَجْهَدَهُ، وجَهَدَ في الأَمْر، وأَجْهَدَ: بلغ فيه الجُهْد، وجَهَدْتُّ الفَرَس، وأَجْهَدْتُّهُ: استَخْرَجْتُ جَهْدَهُ، وقال الحَسَنُ ☼: إنَّ الحقَّ جهدُ النَّاسِ ولن يصبر عليه إلَّا مَن رجا ثوابه ╡. /


[1] في (م): ((قال المُؤَلِّفُ: ذهب)).
[2] في (م): ((الفقهاء بالأمصار)). في (ص): ((فقهاء الأمصار)).
[3] زاد في (م): ((النَّاس)).
[4] في (م): ((تطهير)).
[5] في (م): ((ورُوِيَ عن النَّبيِّ صلعم خلافه)).
[6] زاد في (م): ((قد)).
[7] في (م): ((إجماع)).
[8] في المطبوع و(ص): ((وسنتقصى))، وفي (م): ((وسأتقصى)).
[9] ي (م): ((القول)).
[10] قوله: ((الَّذي)) ليس في (م).
[11] زاد في (م): ((ثمَّ)).
[12] قوله: ((جهدًا)) ليس في (م).
[13] زاد في المطبوع و(ص): ((به)).