شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الجنب يخرج ويمشى في السوق وغيره

          ░24▒ بَابُ: الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي في السُّوْقِ وَغَيْرِهِ.
          وَقَالَ عَطَاءٌ: يَحْتَجِمُ الجُنُبُ(1)، وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ.
          فيهِ: أَنَسٌ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم(2) يَطُوْفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ(3)). [خ¦284]
          وفيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ: (لَقِيَنِي النَّبيُّ صلعم وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ مِنْهُ وَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، إِنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ). [خ¦285]
          وإنَّما أراد البُخاريُّ أن يُريك أنَّ الجُنُبَ لا ينجس بالسُّنَّة، وأنَّه يجوز له التَّصَرُّفُ في أموره كلِّها قبل الغُسْلِ، ويَرُدَّ قول(4) طائفةٍ من السَّلف أوجبتْ عليه الوضوء، رُوِيَ عن سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ أنَّه كان إذا أجنب لا يخرج لحاجته حتَّى يتوضَّأ وضوءه للصَّلاة، وعن ابنِ عبَّاسٍ مثله وبه قال عَطَاءٌ والحَسَنُ، ومنهم مَن قال: لا يأكل ولا يشرب حتَّى يتوضَّأ للصَّلاة، رُوِيَ ذلك عن عليٍّ وابنِ عُمَرَ وعبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو وعَطَاءٍ. والَّذي عليه النَّاس في ذلك ما رُوِيَ عن أبي الضُّحَى أنَّه سُئِلَ: أيأكلُ الجُنُبُ؟ قالَ: نعمْ، ويمشي في الأسواق، ولم يذكر أنَّه يتوضَّأ(5) قبل ذلك وهذا قول مالكٍ وأكثر الفقهاء، أنَّ الوضوء ليس بواجبٍ عليه إذا أراد الخُرُوج في حاجاته، وليس في حديث أَنَسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يتوضَّأ حين كان يطوف على كلِّ امرأةٍ مِن نسائه، ولا في حديث أبي هريرةَ: أنَّ المؤمن لا ينجس إذا كان قد توضَّأ بعد الجنابة، وممَّن قال لا وضوء عليه إذا أراد أن يطعم: مالكٌ والكوفيُّون والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ، وهو الَّذي يدلُّ عليه حديث أبي هريرةَ. وفي(6) حديث أبي هريرةَ(7): جواز أخذ الإمام والعالم بيد تلميذه ومن هو دونه ومشيه معه مُعتمدًا عليه ومرتفقًا به، وفيه: أنَّ مِن حُسْنِ الأدب لِمَنْ مشى معه(8) معلِّمه أو رئيسه أن لا ينصرف عنه ولا يُفارقه حتَّى يُعْلِمْهُ بذلك، ألا ترى قوله ◙ لأبي هريرةَ حين انصرف إليه: (أَيْنَ كُنْتَ يَا أبَا هُرَيْرَةَ؟) فدلَّ ذلك على أنَّه ◙ استُحبَّ له أنَّ لا يفارقه حتَّى ينصرف معه.


[1] قوله: ((الجُنُب)) ليس في (م).
[2] في (ص): ((كان ◙)).
[3] في (م): ((في اللَّيلة الواحدة، وهنَّ تسع)).
[4] في (م): ((على)).
[5] في المطبوع: ((توضَّأ)).
[6] في (ص): ((في)).
[7] في (م): ((وفيه)).
[8] في (ص): ((مع)).