شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التستر في الغسل عند الناس

          ░21▒ بَابُ: التَّسَتُّرِ في الغُسْلِ عِنْدَ(1) النَّاسِ.
          فيهِ: أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أبي طَالِبٍ قَالَتْ: (ذَهَبْتُ إلى رَسُولِ اللهِ صلعم عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ). [خ¦280]
          وفيهِ: مَيْمُونَةُ قَالَتْ: (سَتَرْتُ النَّبيَّ صلعم(2) وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ) الحديث(3). [خ¦281]
          أجمع العلماء على وُجُوب ستر العورة عن أَعْيُن النَّاظرين، وأصل هذين الحديثين ومصداقهما في كتاب الله ╡، قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِيْنَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ واللَّذِيْنَ لَمْ يِبْلُغُوا الحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ(4)}[النُّور:58]الآية. ثمَّ قال تعالى: {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ(5)}[النُّور:58]، وفي هذا دليلٌ على أنَّ(6) الجُناح غيرُ مرفوعٍ فيهنَّ، وقوله: {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} أي إنَّ(7) هذه الأوقات أكثر ما يخلو فيها الرَّجل بأهله للجِماع، وتحظير(8) الله ذلك(9) على الأطفال الَّذين لم يظهروا على عورات النِّساء ولا جرت عليهم الأقلام، يدلُّ أنَّه واجبٌ على غيرهم مِن الرِّجال والنِّساء التستر الَّذي أراده الله ╡. وقد قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ}[الأعراف:26]، فعدَّ(10) علينا نعمته في ذلك. وقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}(11)[النُّور:30]، فقَرَنَ غضَّ الأبصار(12) عن العورات بحفظ الفروج، وقال صلعم: ((لَا يَطُوْفَنَّ بِالبِيْتِ عُرْيَانٌ))، فكما لا يحلُّ لأحدٍ أن يبدي عن فرجه لأحدٍ مِن غير ضرورةٍ مضطرةٍ له إلى ذلك، فكذلك لا يجوز(13) أن ينظر إلى فرج أحدٍ من غير ضرورة، واتَّفق أئمَّة الفتوى على أنَّه مِن دخل الحمَّام بغير مئزرٍ أنَّه تسقط شهادته بذلك، هذا قول مالكٍ والثَّوْرِيِّ وأبي حنيفةَ وأصحابه والشَّافعيِّ. واختلفوا إذا نزع مئزره ودخل(14) الحوض وبدت عورته عند دخوله، فقال مالكٌ والشافعيُّ: تسقط شهادته بذلك أيضًا، وقال أبو حنيفةَ والثَّوْرِيِّ: لا تسقط شهادته بذلك، وهذا يُعذر به(15)؛ لأنَّه(16) لا يمكن التَّحَرُّز منه(17)، وروى بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيَّ صلعم قال له: ((احْفَظْ عَوْرَتَكَ واسْتُرْهَا إِلَّا عَنْ زَوْجَتِكَ وَأَمَتِكَ)). وأجمع العلماء على أنَّ للرَّجل أن يرى عورة أهله وترى(18) عورته.


[1] في (م): ((من)).
[2] قوله: ((وسلَّم)) ليس في (م).
[3] قوله: ((الحديث)) ليس في (م).
[4] قوله: ((واللَّذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرَّات)) ليس في المطبوع و(ص).
[5] قوله: ((بعدهن)) ليس في (م).
[6] في (م): ((دلالة أن)).
[7] قوله: ((إنَّ)) ليس في (ص).
[8] في المطبوع و(ص): ((وحظر)).
[9] في (م): ((وتحظير الله ╡ في ذلك)).
[10] في (م): ((فعدد)).
[11] زاد في (م): ((من)).
[12] في (م): ((البصر)).
[13] في المطبوع و(ص): ((لا يجب)).
[14] في (ص) والمطبوع: ((ثم دخل)).
[15] في (م): ((فيه)).
[16] زاد في (م): ((ممَّا لا)).
[17] في (ص): ((عنه)).
[18] في (م): ((ويرين)).