شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة

          ░7▒ بَابُ: المَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ مِن(1) الجَنَابَةِ.
          فيهِ: ابنُ عَبَّاسٍ عن مَيْمُونَةَ قَالَتْ: (صَبَبْتُ للنَّبيِّ صلعم غُسْلًا، فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا، ثمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأرْضَ فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، ثمَّ غَسَلَهَا، ثمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَأَفَاضَ على رَأْسِهِ، ثمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا(2)). [خ¦259]
          وترجم له: بَابُ مَسْحِ اليَدِ بِالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى. قد تقدَّم اختلاف العلماء في هذا الباب في(3) بابِ المضمضةِ في الوضوءِ فأغنى عن إعادته [خ¦164]، ونزيدُه(4) بيانًا وذلك أنَّ العلماء مجمعون على سقوط الوضوء في غُسْلِ الجنابة، والمضمضة والاستنشاق سُنَّتان في الوضوء، فإذا سقط فرض الوضوء في الجنابة سقطت توابعه، فدلَّ أنَّ ما روته مَيْمُوْنَةُ في(5) ذلك في غُسْلِهِ صلعم فهو(6) سُنَّةٌ؛ لأنَّه(7) كان يلتزم الكمال والأفضل في جميع عباداته. قال المُهَلَّبُ: وقوله: (ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ إلى الأرْض(8)) سمَّى الفعل قولًا، كما سمَّى القول فعلًا في حديث: ((لَا حَسَدَ إِلَّا في اثنَتَينِ)) في قوله في(9) الَّذي يتلو القرآن: ((لَوْ أُوتِيْتُ مِثْلَ مَا أُوْتِيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ(10))). وفيه(11): أنَّ الإشارة باليد والعمل قد(12) تُسَمَّى قولًا، فقول العرب: قل لي برأسك(13)، أي: أَمِلْهُ، وقالت النَّاقة، وقال(14) البعير، وقال الحائط، وهذا كلُّه مجازٌ. وتركه صلعم للمنديل فإنَّه أراد _والله أعلم_ إبقاء بركة الماء، والتَّواضع بذلك، وسنذكر اختلاف العلماء في المسح بالمنديل في بابِ نفضِ اليدين من غُسْلِ الجنابةِ بعد هذا إن شاء الله تعالى [خ¦276].
          وقوله: (فقَالَ بِيَدِهِ الأرْضَ(15) فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ)، يدلُّ _والله أعلم_ أنَّه كان فيها أذًى، وإلَّا فلو لم يكن فيها أذًى لاكتفى بصبِّ الماء وحدَه عليها كما فعل غير مرَّةٍ.
          والغُسْلُ _بضمِّ الغين_ الماء الَّذي يُغتَسَل به، والغَسْلُ _بفتح الغين_ فعل المُغتَسِل، كالوَضوء والوُضوء(16)، والوُقود والوَقود، فالوُضوء _بضمِّ الواو_ الماء الَّذي يُتَوَضَّأ به، والوَضوء _بفتح الواو_ فعل المُتَوَضِّئ، والوُقود _بضمِّ الواو_ التَّوَقُّد والتَّلَهُّب، والوَقود _بفتح الواو_ الحطب، وكذلك السُّحور والسَّحور _بضمِّ السِّين_ الطَّعام، وبفتح السِّين، الفعل. قال ابنُ الأَنْبَارِيُّ: وأجاز النَّحويُّون أن يكون الوضوء والسُّحور والوقود مصادر، والأوَّل هو الَّذي عليه أكثر(17) أهل اللُّغة(18).


[1] في (م): ((في)).
[2] في (م): ((فلم ينفض رأسه)).
[3] قوله: ((في)) ليس في (م).
[4] في المطبوع: ((ونزيد)).
[5] في (م): ((من)).
[6] في (م): ((هو)).
[7] زاد في (م): ((◙)).
[8] في (م): ((للأرض)).
[9] قوله: ((في)) ليس في (م).
[10] في المطبوع: ((فعل)).
[11] في (م): ((ففيه)).
[12] قوله: ((قد)) ليس في (م).
[13] في (م): ((تقول العرب: قل إليَّ برأسك)).
[14] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[15] في (م): ((للأرض)).
[16] ضبطها في (م): ((كالوُضوء والوَضوء)).
[17] قوله: ((أكثر)) ليس في المطبوع.
[18] قوله: ((وكذلك السُّحور والسَّحور _بضمِّ السِّين_ الطَّعام، وبفتح السِّين، الفعل. قال ابنُ الأنباريُّ: وأجاز النَّحويُّون أن يكون الوضوء والسّحور والوقود مصادر، والأوَّل هو الَّذي عليه أكثر أهل اللُّغة)) ليس في (م).