شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل

          ░25▒ بَابُ: كَيْنُونَةِ(1) الجُنُبِ في البَيْتِ. /
          فيهِ: عَائِشَةُ قَالَتْ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم يَرْقُدُ وَهُوَ جُنُبٌ وَيَتَوَضَّأُ). [خ¦286]
          وفيهِ: عُمَرُ: (أَنَّهُ سَأَلَ النَّبيَّ صلعم: أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ). [خ¦287]
          وَقَالَ لَهُ مَرَّةً: (تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثمَّ نَمْ). [خ¦290]
          وفيهِ: عَائِشَةُ: (كَانَ النَّبيَّ صلعم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ). [خ¦288]
          اختلف(2) العلماء في نوم الجُنُب، فقالت طائفةٌ بظاهر خبر رَسُولِ اللهِ صلعم أنَّه توضَّأ(3) وضوءه للصَّلاة(4)، وكذلك ينام، رُوِيَ هذا عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ وعَائِشَةَ وأبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، ومن التَّابعين: النَّخَعِيُّ وعَطَاءٌ(5) والحَسَنُ، وبه قال: مالكٌ واللَّيثُ وأبو حنيفةَ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ، كلُّهم يستحبُّون الوضوء ويأمرون به.
          وشذَّ أهل الظَّاهر فأوجبوا عليه الوضوء فرضًا، وهذا قولٌ مهجورٌ لم يُتابعهم عليه أحدٌ، فلا معنى له، ورُوِيَ عن سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ أنَّه(6) قال: إنْ شاء(7) أن ينام قبل أن يتوضَّأ، وإليه ذهب أبو يُوسُف، فقال: لا بأس أنْ ينام الجُنُب قبل أنْ يتوضَّأ؛ لأنَّ الوضوء لا يخرجه مِن حال الجنابة إلى حال الطَّهارة، ومِن حجَّته ما رواه الأَعْمَشُ عن أبي إِسْحَاقَ عن الأَسْوَدِ بن يَزِيْدَ عن عَائِشَةَ قالتْ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُجْنِبُ ثمَّ يَنَامُ و(8) لَا يَمَسُّ مَاءً حتَّى يَقُوْمُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيْغْتَسِلُ)).(9) قال الطَّحَاوِيُّ: وهذا(10) الحديث غلطٌ، اختصره أبو إِسْحَاقَ مِن حديثٍ طويلٍ فأخطأ فيه، وذلك ما حدَّثنا فَهْدٌ قال: حدَّثنا أبو غَسَّانَ قال: حدَّثنا زُهَيْرٌ قال: حدَّثنا أبو إِسْحَاقَ قال: أتيتُ الأَسْوَدَ بنَ يَزِيْدَ فقُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا حَدَّثَتْكَ عَائِشَةُ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلعم، قال(11): قَالَتْ(12): ((كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، ويُحْيِي آخِرَهُ، ثمَّ إِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَضَى حَاجَتَهُ، ثمَّ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النِّدَاءِ الأَوَّلِ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ، وإِنْ نَامَ جُنُبًا تَوَضَّأَ وُضُوءَ الرَّجُلِ للصَّلَاةِ))، فهذا الأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ قد بانَ مِن(13) حديثه أنَّه كان إذا أراد أن ينام وهو جُنُبٌ توضَّأ للصَّلاة، وبان أنَّ قولها: (ثمَّ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً(14))، يَعني الغُسْلَ لا الوضوء، والدَّليل على صحَّة(15) ذلك مَا رواه البخاريُّ عن عُمَرَ وعَائِشَةَ، وعلى هذا التَّأويل لا تتضاد الأخبار، وقد روى قَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، عن زَيْدِ بنِ ثابتٍ، قال: إذا توضَّأ قبل أن ينام كان كمن اغتسل في الثَّواب الَّذي يُكتب لمن بات(16) على طُهرٍ. وقالت عَائِشَةُ: لا ينام الجُنُب حتَّى يتوضَّأ للصَّلاة فإنَّه لا يدري لعلَّ نفسه تُصاب في نومه، فيكون قد أخذ بأقلِّ الطَّهارتين. وأمَّا ما رُوِيَ(17) عن ابنِ عُمَرَ أنَّه كان يتوضَّأ ولا يغسل قدميه، فيدلُّ ذلك أنَّ محمل الحديث عندهم على النَّدب لا على الوُجُوب؛ لأنَّ ابنَ عُمَرَ روى الحديث عن أبيه عن النَّبيِّ صلعم وعَلِمَهُ فلم يترك غسل قدميه، إلَّا أنَّهم(18) تلقَّوا الحديث على أنَّ الوضوء على غير الإيجاب.


[1] في (م): ((بيتوتة)).
[2] في المطبوع و(ص): ((واختلف)).
[3] في (ص): ((يتوضأ)).
[4] في (م): ((وضوء الصَّلاة)).
[5] في المطبوع و(ص): ((وطَاوُس)).
[6] قوله: ((أنَّه)) ليس في (م).
[7] زاد في (م): ((الجُنُب)).
[8] قوله: ((يُجنِب ثمَّ ينام و)) ليس في (م).
[9] في حاشية (ز): ((رواه أبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه عن عائشة ♦، وقال يزيد بن هارون: إنَّه وهمٌ، ونقل البَيْهَقِيُّ والحفَّاظ الطَّعن فيه، قال: وهو صحيحٌ من جهة الرِّواية، قاله العراقيُّ في «تخريج الإحياء»)).
[10] في المطبوع و(ص): ((هذا)).
[11] قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[12] في (م): ((فقالت)).
[13] في المطبوع و(ص): ((في)).
[14] قوله: ((فإذا كان عند النِّداء الأوَّل أفاض عليه الماء، وإن نام جُنُبًا توضَّأ وضوء الرَّجل للصَّلاة))، فهذا الأسود بن يزيد قد بان من حديثه أنَّه كان إذا أراد أن ينام وهو جُنُبٌ توضَّأ للصَّلاة، وبان أنَّ قولها: ((ثمَّ ينامُ قبلَ أنْ يمسَّ ماءً)) ليس في (م).
[15] قوله: ((صحَّة)) ليس في (م).
[16] في (ص): ((مات)).
[17] في المطبوع و(ص): ((فأمَّا ما روي))، وفي (م): ((وروي)).
[18] في (م): ((لأنَّهم)).