شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس

          ░23▒ بَابُ: عَرَقِ الجُنُبِ وَأَنَّ المُسْلِمَ لا يَنْجُسُ.
          فيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم لَقِيَهُ في بَعْضِ طَرِقِ المَدِينَةِ، وَهُوَ جُنُبٌ، قال: فَانْبخَسْتُ(1) مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، ثمَّ جَاءَ، فَقَالَ(2): أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، إِنَّ المُؤمن لا يَنْجُسُ). [خ¦283]
          قال المُهَلَّبُ: هذا يدلُّ على أنَّ النَّجاسة(3) إذا لم تكن عينًا في الأجسام فإنَّ المؤمن حينئذٍ طاهر الأعضاء، لحال(4) ما المؤمنون عليه من التَّطَهُّر(5) والنَّظافة لأعضائهم، بخلاف ما عليه المشركون من ترك التَّحَفُّظِ مِن النَّجاسات والأقذار، فحملت كلُّ طائفةٍ على خلقها وعادتها(6)، قال الله تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[التَّوبة:28]تغليبًا للحال، وقد قيل في قول الله تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ} ليس بمعنى نجاسة الأعضاء، لكن بمعنى نجاسة الأفعال، والكراهة لهم، والإبعاد عمَّا قدَّس(7) الله من بقعةٍ أو كتابٍ أو رجلٍ صالحٍ، فلا(8) خلاف بين الفقهاء(9) في طهارة عرق الجُنُب والحائض. قال(10) ابنُ المُنْذِرِ: وكذلك عرق اليهوديِّ والنَّصرانيِّ والمجوسيِّ عندي طاهرٌ. وقال غيره: لما أباح الله تعالى نكاح نساء أهل الكتاب، ومعلومٌ أن عَرَقَهَنَّ لا يسلم منه(11) مَنْ يُضاجعهنَّ(12)، وأجمعت الأمَّة على أنَّه لا غُسْلَ عليه مِن الكتابيَّة إلَّا كما(13) عليه مِن المسلمة، دلَّ ذلك على أنَّ ابن آدم ليس بنجسٍ(14) في ذاته ما لم تعرض له نجاسةٌ تحلُّ به.
          وقوله: (فَانْبَخَسْتُ مِنْهُ) وهكذا وَقَعَتْ هذه اللَّفظة: ((فَاْنَبَخَسَتْ مِنْهُ)) بالخاء، وفي بعض النُّسخ لابن السَّكَنِ(15): <فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ> بالجيم، وأمَّا بالخاء فلا أعرف له معنى، وأمَّا بالجيم فيحتمل أن يكون مِن قوله تعالى: {فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا}[الأعراف:160]أي انفَجَرَت وجَرَت، والأشبه أن يكون: فَانخَنَسَتُ مِنْهُ، قال صاحب «العين»: يُقال: خَنَسَ من بين القوم يَخْنِسُ خُنُوسًا: إذا انقبضَ، وخُنُوسُ الكواكب اختفاؤها(16).


[1] قوله: ((فانبخست)) ليست منقوطة في (م). صوبها في حاشية (ص) إلى المثبت.
[2] في (ص): ((قال)).
[3] في المطبوع و(ص): ((الجنابة)).
[4] في المطبوع و(ص): ((بحال)).
[5] في (ص): ((التطهير)).
[6] في (م): ((خلقهم وعادتهم)). وكذا صوبها في حاشية (ص).
[7] في المطبوع و(ص): ((عمَّا قد بيَّن)).
[8] في (م) والمطبوع و(ص): ((ولا)).
[9] في (م): ((العلماء)).
[10] في (م): ((وقال)).
[11] في (م): ((منهن)).
[12] في (م) والمطبوع و(ص): ((ضاجعهن)).
[13] زاد في (ص): ((كان)).
[14] في (م): ((ابن آدم لا ينجس)).
[15] قوله: ((لابن السكن)) ليس في (ص).
[16] قوله: ((والأشبه أن يكون فانخنستُ منه، قال صاحب «العين»: يقال: خنس من بين القوم يخنس خنوسًا: إذا انقبض، وخنوس الكواكب اختفاؤها)) ليس في (م).