شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد

          ░12▒ بَابُ: إِذَا جَامَعَ ثمَّ عَاوَدَ وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ(1) وَاحِدٍ.
          فيهِ: عَائِشَةُ: (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلعم فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا(2)، يَنْضَحُ طِيْبًا). [خ¦267]
          وفيهِ: أَنَسٌ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَدُوْرُ عَلَى نِسَائِهِ في السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ امرَأَةً، قُلْتُ لِأنَسٍ: أَوَ كَانَ يُطِيْقُهُ؟ قَالَ(3): كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِيْنَ). [خ¦268]
          وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ(4): (تِسْعُ نِسْوَةٍ).
          لم تختلف العلماء في جواز وطء جماعة نسائه(5) في غُسُلٍ واحدٍ على ما جاء في(6) حديث عَائِشَةَ وأَنَسٍ، ورُوِيَ ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ، وقاله عَطَاءٌ ومالكٌ والأوزاعيُّ.
          وإنَّما اختلفوا إذا وطِئ جماعة نسائه في غُسُلٍ واحدٍ، هل عليه أنْ يتوضَّأ وضوءه للصَّلاة(7) عند وطء كلِّ واحدةٍ منهنَّ أم لا؟ فرُوِيَ عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وابنِ عُمَرَ أنَّه إذا أراد أن يعود توضَّأ وضوءه للصَّلاة(8)، وبه قال عَطَاءٌ وعِكْرِمَةُ، وكان الحَسَنُ البصريُّ(9) لا يرى بأسًا أن يُجامع الرَّجل امرأته، ثمَّ يعود قبل أن يتوضَّأ، وعن ابنِ سِيرِين مثله، وبهذا قال مالكٌ وأكثر الفقهاء أنَّه لا وضوء عليه. وقال أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ: إن توضَّأ أعجب إليَّ، فإن(10) لم يفعل فأرجو ألَّا يكون به بأسٌ. وبه قال إِسْحَاقُ، وقال: لا بُدَّ مِن غسل الفرج إذا أراد أن يعود. ويحتمل أن يكون دورانه ◙ عليهنَّ في يومٍ واحدٍ لمعانٍ: أحدُها: أن يكون ذلك عند إقباله مِن سفره، حيث لا قسمة تلزمه(11) لنسائه؛ لأنَّه كان إذا سافر أقرع بين نسائه فأيَّتهنَّ أصابتها القرعة خرجت معه، فإذا انصرف استأنف القسمة بعد ذلك، ولم تكن واحدةٌ منهنَّ أولى بالابتداء مِن صاحبتها، فلمَّا استوت حقوقهنَّ جمعهنَّ كلَّهنَّ في ليلةٍ ثمَّ استأنف القسمة بعد ذلك. والوجه الثَّاني(12): يحتمل أن يكون استطاب أنفس أزواجه واستأذنهنَّ(13) في ذلك كنحو استئذانهنَّ(14) أن يُمَرَّض في بيت عَائِشَةَ، قاله(15) أبو عُبَيْدٍ. والوجه الثَّالث: قاله المُهَلَّبُ، قال: يحتمل أن يكون دورانه عليهنَّ في يوم يفرغ مِن القسمة بينهنَّ(16)، فيفرغ(17) في(18) هذا اليوم لهنَّ كلُّهنَّ يجمعهنَّ فيه، ثمَّ يستأنف بعد ذلك القسمة(19)، والله أعلم.
          وفي هذا الحديث أنَّ الإماء يُعددن مِن نسائه، لقوله: (وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ امرَأَةً)؛ لأنَّه لم يحلَّ له مِن الحرائر إلَّا تسعٌ، وهو حجَّةٌ لمالكٍ في قوله: إنَّ من ظاهر مِن أمَته لزمه الظِّهار؛ لأنَّها مِن نسائه، واحتَجَّ بظاهر قوله تعالى(20): {وَالَّذِيْنَ يُظَاهِرُوْنَ مِنكُم مِنْ نِسَائِهِمْ}[المجادلة:2]وسيأتي في كتاب النِّكاح زيادة مِن(21) الكلام في هذا الحديث إن شاء الله ╡ [خ¦5215]. وقد احتَجَّ بحديث عَائِشَةَ مَن لا يوجب التَّدلُّك في الغُسْلِ، وقال: لو تدلَّك ◙ لم ينضح(22) منه الطِّيب، قال الطَّحَاوِيُّ: وقد يجوز أن يكون دَلَكَ وقد غسله، وهكذا الطِّيب إذا كان كثيرًا ربَّما غسله فذهب وبقي وَبيصه. قال المُؤَلِّفُ: ومن روى هذا الحديث: / ((يَنْضَخُ طِيْبًا)) بالخاء، فالنَّضخ عند العرب كاللَّطخ، يُقال: نضخ ثوبه بالطِّيب، هذا قول الخليل. وفي(23) «كتاب الأفعال»: نَضَخَتِ العينُ بالماء نَضْخًا إذا فَارَتْ، واحتَجَّ بقوله(24) تعالى: {فِيْهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ}[الرحمن:66]، ومَن رواه (يَنْضَحُ) بالحاء(25)، فقال صاحب «العين»: نَضَحَتِ العين بالماء إذا(26) رأيتها تفور، وكذلك العين النَّاظرة إذا رأيتها تغرورق، والوبيص: البريق واللَّمعان(27).


[1] في (م): ((في غسل)).
[2] في (ص) صورتها: ((محدثًا)).
[3] زاد في (ص): ((أنس)).
[4] قوله: ((عن أنس)) ليس في (م).
[5] في المطبوع و(ص): ((نساء)).
[6] قوله: ((في)) ليس في (ص).
[7] في (م): ((وضوء الصَّلاة)).
[8] في (م): ((وضوء الصَّلاة)).
[9] قوله: ((البصري)) ليس في (م) و(ص).
[10] في (م): ((وإن)).
[11] في (ص): ((تلزم)).
[12] قوله: ((الوجه الثَّاني)) ليس في (م).
[13] في المطبوع: ((فاستأذنهنَّ)).
[14] في (م): ((استئذانه لهنَّ)).
[15] في (م): ((قال)).
[16] في (م): ((يقرع بالقسمة بينهنَّ فيه)).
[17] في المطبوع: ((فيقرع)).
[18] قوله: ((في)) ليس في (م).
[19] في (م): ((يستأنف بعده القسمة)).
[20] في (م): ((قول الله ╡)). في (ص): ((واحتج بقوله تعالى)).
[21] في (م): ((في)).
[22] في المطبوع: ((ينتضح)).
[23] في (ص): ((في)).
[24] في (ص): ((بقول الله)).
[25] قوله: ((وقد احتَجَّ بحديث عائشةَ من لا يوجب التَّدلُّك في الغسل، وقال: لو تدلَّك... إلى قوله... إذا فارت، واحتَجَّ بقوله تعالى {فِيْهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: 66]، ومن رواه (ينضح) بالحاء)) ليس في (م).
[26] في (م): ((وقال صاحب «العين» يقال نضحت العين بالماء نضحًا إذا)).
[27] قوله: ((والوبيص البريق واللمعان)) ليس في (م).