شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تخليل الشعر حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه

          ░15▒ بَابُ: تَخْلِيْلِ الشَّعَرِ حتَّى / إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهَا(1).
          فيهِ: عَائِشَةُ قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثمَّ اغْتَسَلَ، ثمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِيهِ(2) شَعَرَهُ، حتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ(3) قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهَا المَاءَ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ(4)، ثمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ). [خ¦272] [خ¦273]
          قال المُؤَلِّفُ: أمَّا تخليل شعر الرَّأس في غُسْلِ(5) الجنابة فالعلماء مجمعون عليه، وعليه قاسوا شعر اللِّحية لأنَّه شعر مثله فحكمه حكمَه في التَّخليل، إلَّا أنَّهم اختلفوا في تخليل اللِّحية، فممَّن كان يُخَلِّلُ لحيته: عُثْمَانُ بنُ عَفَّاَن وعليُّ بنُ أبي طالبٍ وعمَّارُ بنُ ياسرٍ وابنُ عبَّاسٍ وابنُ عُمَرَ وأَنَسٌ، ومِن التَّابعين أبو قِلَابَةَ والنَّخَعِيُّ وسَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ وعَطَاءٌ، وممَّن رخَّص في تخليلها: الشَّعْبِيُّ وطَاوُس والقَاسِمُ والحَسَنُ وأبو العَالِيَةِ وروايةٌ عن النَّخَعِيِّ.
          واختلف قول مالكٍ في تخليلها، فرَوى عنه ابنُ القَاسِمِ أنَّه لا يجب تخليلها في غُسْلِ الجنابة، ولا في الوضوء، وروى عنه ابنُ نافعٍ وابنُ وَهْبٍ في «المجموعة»(6) إيجاب تخليلها مطلقًا، ولم يذكرا(7) غُسْلًا ولا وضوءًا، وروى عنه أَشْهَبُ في: «العُتْبِيَّةِ» أنَّ تخليلها في الغُسْلِ واجبٌ، ولا يجب في الوضوء، وبه قال أبو حنيفةَ والثَّوْرِيُّ والأوزاعيُّ واللَّيثُ وأحمدُ وإِسْحَاقُ. وحكى ابنُ القَصَّارِ عن الشَّافعيِّ أنَّ تخليل اللِّحية(8) مسنونٌ، وإيصال الماء إلى البشرة مفروضٌ في الجنابة مثل أن يُغلغل الماء في شعره، أو يبلَّه حتَّى يعلم أنَّ الماء قد وصل إلى البشرة، وقال المُزَنِيُّ ومحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ(9) بنِ عبدِ الحَكَمِ: تخليلها واجبٌ في الوضوء والغسل جميعًا. وحجَّة مَن قال بتخليلها في الغُسْلِ حديث عَائِشَةَ: ((أَنَّ النَّبيَّ صلعم اغْتَسَلَ وَخَلَّلَ شَعْرَهُ بِيَدَيْهِ)). فدخل فيه شعر اللِّحية وغيرها. وأمَّا تخليلها في الوضوء، فقال ابنُ القَاسِمِ عن مالكٍ: ليس هو مِن أمر النَّاس، وعاب ذلك على مَن فعله، وقال أبو قُرَّةَ عنه(10): يكفيها ما مرَّ عليها مِن الماء مع غسل الوجه، واحتَجَّ بحديث عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ في الوضوء، ولم يذكر فيه تخليل اللِّحية، وقال الطَّحَاوِيُّ: التَّيمُّم فيه واجب مسح البشرة قبل نبات اللِّحية، ثمَّ سَقَطَ بعدها عند جميعهم، فكذلك الوضوء، وحجَّة مَن لم يرَ تخليل اللِّحية(11) في الجنابة أنَّا قد اتَّفقنا أنَّ داخل العينين لا يجب غسله بعلَّة أنَّ دونه ساترٌ(12) مِن نفس الخِلقة، وأيضًا فإنَّ الأمرد الَّذي لا لحية له يجب عليه غسل ذقنه في الوضوء والجنابة، ثمَّ يسقط غسله في الوضوء إذا غطَّاه الشَّعر، فينبغي أن يسقط في الجنابة.


[1] في (ص): ((عليه)).
[2] في المطبوع و(م) و(ص): ((بيده)). في حاشية (ص): ((نسخة بيديه)).
[3] في (ص): ((أن)).
[4] في (م): ((مرَّات)).
[5] قوله: ((غسل)) ليس في (م).
[6] في (م): ((وروى ابن وهبٍ وابن نافعٍ في المجموعة)).
[7] في (م): ((يذكر)).
[8] في المطبوع و(ص): ((أنَّ التَّخليل)).
[9] قوله: ((بن عبد الله)) ليس في المطبوع و(ص).
[10] قوله: ((عنه)) ليس في المطبوع و(ص).
[11] في (م): ((من لم يرَ تخليلها)).
[12] في المطبوع: ((أنَّ درنه سائر)) وتحتمل في (ص).