نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها

          ░29▒ (بابٌ) بالتنوين (لاَ يُسْأَلُ) على البناء للمفعول (أَهْلُ الشِّرْكِ عَنِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا) ممَّا أخبروا به، وأراد بهذا عدم قبول شهادتهم.
          وقد اختلفَ العلماء في ذلك، فعند الجمهور: لا تقبل شهادتهم أصلًا لا شهادتهم على المسلمين، ولا شهادة بعضهم على بعضٍ، ومنهم من أجاز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض للمسلمين، وهو قول إبراهيم، ومنهم من أجازَ شهادة أهل الشِّرك بعضهم على بعض، وهو قول عمر بن عبد العزيز والشَّعبي ونافع وحمَّاد ووكيع. وبه قال أبو حنيفة. ومنهم من قال: لا تجوز شهادة أهل ملَّةٍ إلَّا على أهلِ ملَّتها اليهودي على اليهوديِّ، والنصرانيُّ على النصرانيِّ، وهو قول الزُّهري والضَّحاك والحكم وابن أبي ليلى وعطاء وأبي سلمة ومالك والشَّافعي وأحمد وأبي ثور.
          وروي عن شُريح والنَّخعي: تجوز شهادتهم على المسلمين في الوصيَّة والسَّفر للضَّرورة. وبه قال الأوزاعي.
          (وَقَالَ الشَّعْبِيُّ) عامر بن شراحيل / (لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمِلَلِ)أي: ملل الكفر، وهي بكسر الميم، جمع: ملَّة، والملَّة الدين كملَّة الإسلام، وملَّة اليهود، وملَّة النصارى.
          (بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) ويروى: <لقوله جل ثناؤه> ({فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَومِ القِيَامَة} [المائدة:14]) أي: ألزمنا بين فرق النصارى وهي النَّسطورية واليعقوبيَّة والملكائية، قاله الرَّبيع، أو بينهم وبين اليهود، قاله ابنُ أبي نجيح، العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، من غرى بالشَّيء إذا لصق به.
          وهذا التَّعليق وصلَه سعيد بن منصور: حدَّثنا هُشيم: حدَّثنا داود، عن الشعبيِّ: لا تجوز شهادة ملَّةٍ على أُخرى إلَّا المسلمين فإنَّ شهادتهم جائزةٌ على الملل.
          وروى عبد الرَّزَّاق: عن الثَّوري، عن عيسى وهو الحنَّاط، عن الشعبيِّ قال: كان يجيز شهادة النصرانيِّ على اليهوديِّ، واليهودي على النَّصراني.
          وروى ابن أبي شيبة من طريق أشعث، عن الشَّعبي قال: تجوز شهادة أهل الملل للمسلمين بعضهم على بعض، فاختلف فيه عن الشعبي، وروى ابنُ أبي شيبة عن نافع وطائفة الجواز مطلقًا، وعن الحسن وطائفة: الجواز فيما إذا اتَّفقت الملل، والمنع فيما إذا اختلفوا. وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهريِّ الجواز مطلقًا، والله أعلم.
          (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم : لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا:آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ) وهذا التَّعليق وصله البُخاري في تفسير سورة البقرة من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة ☺ وفيه قصَّة [خ¦4485]، وسيأتي الكلام عليه ثمَّة إن شاء الله تعالى.
          والغرضُ منه هنا: هو النَّهي عن تصديقِ أهل الكتاب فيما لا يعرف صدقه من قبل غيرهم، فيدلُّ على ردِّ شهادتهم وعدم قبولها، كما يقول الجمهور.