إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدةً وألين قلوبًا

          4388- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بندارٌ العبديُّ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ) محمَّد، واسمُ أبي عديٍّ إبراهيمُ(1) (عَنْ شُعْبَةَ) بنِ الحجَّاج (عَنْ سُلَيْمَانَ) الأعمشِ (عَنْ ذَكْوَانَ) أبي صالحٍ السَّمَّان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنه (قَالَ) يخاطبُ أصحابهُ وفيهم الأنصارُ: (أَتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَلْيَنُ قُلُوبًا) قال الخطَّابي: وصفُ الأفئدةِ بالرِّقَّةِ والقلوب باللِّينِ؛ لأنَّ الفؤادَ غشاءُ القلبِ، فإذا رقَّ نفذَ القولُ منه وخلَصَ إلى ما وراءَهُ، وإذا غلُظَ بعدَ وصولِه إلى داخلٍ، فإذا صادفَ القلب لينًا عَلِقَ به وتجمَّعَ فيه.
          وقال القاضِي البيضاويُّ: الرِّقَّة ضد الغلظِ والصَّفاقة، واللِّينُ مقابلَ القسوةِ، فاستُعيرَتْ في أحوالِ القلبِ، فإذا نبا عن الحقِّ وأعرضَ عن قبولِه ولم يتأثَّر بالآياتِ والنُّذُرِ يوصفُ بالغلظِ، فكأنَّ شغافَهُ صفيقٌ لا ينفذُ فيهِ الحقُّ، وجرمَهُ صلبٌ لا يؤثِّرُ فيهِ الوعظُ، وإذا كان بعكسِ ذلكَ يوصَفُ بالرِّقَّة واللِّين، فكأنَّ حجابَهُ رقيقٌ لا يأبَى نفوذَ الحقِّ، وجوهرهُ ليِّنٌ يتأثَّرُ بالنُّصحِ، وللطِّيبيِّ فيه قول آخر، يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى [خ¦4390] ولمَّا وصفهُم بذلك أتبعَهُ بما هو كالنَّتيجةِ والغاية، فقال ╕ : (الإِيمَانُ يَمَانٍ) مبتدأ وخبر، وأصلهُ: يمنيٌّ، بياء النسبة، فحذفتِ الياء تخفيفًا وعوِّض عنها الألف، أي: الإيمانُ منسوبٌ إلى أهلِ اليمنِ؛ لأنَّ صفاءَ القلبِ ورقَّته ولينَ جوهرهِ يؤدِّي به إلى عرفانِ الحقِّ والتَّصديقِ به، وهو الإيمانُ والانقيادُ (وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ) بتخفيف الياء، فقلوبهم معادنُ الإيمانِ وينابيعُ الحكمةِ (وَالفَخْرُ) كالإعجابِ بالنَّفسِ (وَالخُيَلَاءُ) الكِبرُ واحتقارُ الغيرِ (فِي أَصْحَابِ الإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ) المسكنةُ (وَالوَقَارُ) الخضوعُ (فِي أَهْلِ الغَنَمِ). قال البيضاويُّ في تخصيصِ الخُيَلاء بأصحابِ الإبلِ والوقارِ بأهل الغنمِ ما يدلُّ على أنَّ مخالطةَ الحيوانِ ربما تؤثِّرُ في النَّفس، وتُعدِي إليها هيئاتٍ وأخلاقًا تناسبُ طباعَها وتلائمُ أحوالها.
          (وَقَالَ غُنْدَرٌ) محمَّد بنُ جعفر، فيما وصلهُ أحمدُ (عَنْ شُعْبَةَ) بنِ الحجَّاجِ (عَنْ سُلَيْمَانَ) الأعمشِ، أنَّه قال: (سَمِعْتُ ذَكْوَانَ) الزَّيَّات (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) فذكر الحديث السَّابق، وأعاده لتصريحِ الأعمش بسماعهِ من ذكوانَ.


[1] في (م) زيادة: «قال».