إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا عائشة أما الله فقد برأك

          4141- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ) الأُويسِيُّ المدنيُّ قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ‼ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، ابنِ إبراهيمَ بن عبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ (عَنْ صَالِحٍ) أي: ابنِ كيسان (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمد بنِ مسلم، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالتَّوحيد(1) (عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ) بن العوَّامِ (وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللهِ) بضم العين(2) (بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ ♦ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا وَكُلُّهُمْ) أي: الأربعةُ؛ عروة فمن بعدَه (حَدَّثَنِي) بالإِفراد (طَائِفَةً) قطعة (مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى) أي: أحفظَ (لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ) وسقطت(3) لفظة «كانَ» لابنِ عساكرٍ (وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا) أي: سِياقًا، و«أثبتَ» نصب عطفًا على خبرِ كانَ (وَقَدْ وَعَيْتُ) بفتح العين حفظتُ (عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الحَدِيثَ) أي: بعضَ الحديثِ (الَّذِي حَدَّثَنِي) به منهُ (عَنْ) حديثِ (عَائِشَةَ) من إطلاق الكلِّ على البعضِ، فلا تنافيَ بين قولهِ: «وكلُّهُمْ حدَّثني طائفةً من الحديثِ». وبين قولهِ: «وقد وعيتُ عن كلِّ واحدٍ منهم الحديثَ». وحاصلهُ: أنَّ جميعَ الحديثِ عن مجموعِهم، لا أنَّ جميعهُ عن كلِّ واحدٍ منهم (وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ(4) يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ) تطييبًا لقلوبهنَّ (فَأَيُّهُنَّ) بغيرِ تاءِ تأنيثٍ، ولأبي ذرٍّ ”فأيَّتُهُنَّ“ بإثباتها، ولابنِ عساكر وأبي الوقتِ ”وأيُّهُنَّ“ «بالواو» بدل: «الفاء»، أي: فأيُّ أزواجهِ (خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلعم مَعَهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا) ╕ (فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا) هي(5) غزوة المُرَيْسيع (فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجَابُ) أي: الأمر به (فَكُنْتُ أُحْمَلُ) بضم الهمزة وفتح الميم (فِي هَوْدَجِي)(6)، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”في هودجٍ“ (وَأُنْزَلُ فِيهِ) بضم الهمزة وفتح الزاي (فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلعم مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ) بفتح القاف والفاء، رجع (دَنَوْنَا) أي: قربنا، ولأبي ذرٍّ ”ودَنَونَا“ (مِنَ المَدِينَةِ) حال كوننَا (قَافِلِينَ) راجعين (آذَنَ) بفتح الهمزة ممدودة وتخفيف المعجمة، أي: أعلم (لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ) لقضاءِ حاجتي منفردة (حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي) الَّذي مشيتُ له (أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي) الموضع الذي نزلت به (فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ) بكسر العين، قلادةٌ (لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ) بفتح الجيم وسكون الزاي، مضاف لظفار بغير همزٍ، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي ”أظفار“ بالهمزةِ. وصوَّب الخطابيُّ حذف الهمزة وكسر الراء، مبنيًّا كحضار مدينةٌ باليمن (قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ) إلى الموضعِ الذي ذهبتُ إليه (فَالتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ) طلبه.
          (قَالَتْ: وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي)‼ بضم التحتية وفتح الراء وتشديد الحاء، ويجوز فتح التحتية وسكون الراء وفتح الحاء، ولأبوي ذرٍّ والوقتِ وابن عساكر ”يرحِّلُونَ بِي“ (فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”فحَمَلوه(7)“ (فَرَحَلُوهُ) بالتخفيفِ أي: وضعوهُ (عَلَى / بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ) أي: في الهودجِ (وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ) بسكون الهاء وضم الموحدة وسكون اللام بعدها نون (وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ) أي: لم يكثُر، يقال: هبله اللحمُ إذا كثرَ عليه وركبَ بعضُهُ بعضًا (إِنَّمَا يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ) بضم العين وسكون اللام وفتح القاف، القليل (مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ) لم تبلُغ حينئذٍ خمسَ عشرةَ سنة (فَبَعَثُوا الجَمَلَ) أثاروهُ (فَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ) أي: ذهبَ ماضيًا، و«استمرَّ» استفعلَ، من مرَّ (فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ) قصدتُ (مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ) ولابن عساكر ”فيه“ (وَظَنَنْتُ) أي: علمتُ (أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي) ولأبي ذرٍّ ”سيفقدونَنِي“ (فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا) بغير ميم (أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي) بالإفراد (فَنِمْتُ) أي: من شدَّةِ ما اعتراها من الغمِّ، أو أنَّ اللهَ تعالى ألقى عليها النومَ لطفًا منه بها؛ لتستريحَ من وحشةِ الانفراد في البرِّيَّةِ باللَّيل (وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ) بضم الميم وتشديد الطاء المفتوحة (السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ(8)) يتخلَّفُ(9) (مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ) فمن سقطَ له شيءٌ من متاعهِ _كالقدحِ والإدَواة_ أتاهُ به (فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ) أي: شخص إنسانٍ (نَائِمٍ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ) نزولِ (الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ) من نومي (بِاسْتِرْجَاعِهِ) أي: بقوله: إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعون (حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ) بالخاءِ المعجمة والميم المشددة المفتوحتين والراء الساكنة، أي: غطَّيتُ (وَجْهِي بِجِلْبَابِي) بكسر الجيم وسكون اللام وموحدتين بينهما ألف (ووَاللهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ) يقولُ: إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعون؛ لِمَا شقَّ عليهِ من ذلك (وَهَوَى) بفتح الهاء والواو (حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا) ليسهلَ الركوب عليها فلا يحتاجُ إلى مساعدٍ (فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ) صفوان حال كونه (يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الجَيْشَ) حال كوننا (مُوغِرِينَ) بضم الميم وسكون الواو وكسر الغين المعجمة بعدها راء، أي: داخلين في الوغرةِ، وهي شدَّةُ الحرَّةِ، وعبَّرَ بلفظِ الجمعِ موضعَ التثنية (فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ) بالحاء المهملة الساكنة، حين(10) بلغت الشمسُ منتهاها من الارتفاع كأنَّها وصلت إلى النَّحرِ؛ وهو أعلى الصَّدر (وَهُمْ) أي: الحالُ أنَّ الجيش (نُزُولٌ. قَالَتْ) عائشةُ ♦ : (فَهَلَكَ مَنْ) بفتح الميم، ولابنِ عساكر ”فهلك فيَّ‼ من“ (هَلَكَ) من أمرِ الإفك (وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ) بكسر الكاف وسكون الباء الموحدة، الذي باشر معظمهُ (عَبْدُ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ) بالتنوين (ابْنُ سَلُولَ) بالرفع، علمٌ لأمِّ عبد الله فيكتبُ بالألف، وشاع ذلك في الجيش.
          (قَالَ عُرْوَةُ) ابن الزُّبير _بالسَّند السَّابق_: (أُخْبِرْتُ) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (أَنَّهُ) أي: حديث الإفك (كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ) عندَ عبدِ الله بن أُبيٍّ (فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ) فلا ينكرهُ ولا يَنْهى عنه مَن يقوله (وَيَسْتَوْشِيهِ) يستخرجهُ بالبحثِ عنه حتَّى يُفشيه.
          (وَقَالَ عُرْوَةُ) بن الزُبيرِ _(أَيْضًا) بالسَّندِ السَّابق_: (لَمْ يُسَمَّ) بفتح السين والميم المشددة (مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ أَيْضًا إِلَّا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ) الشَّاعر(11) (وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ) بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء بعدها حاء مهملات، و«أُثَاثَة»: بضم الهمزة ومثلثتين بينهما ألف مخففًا، القرشيُّ المطلبيُّ (وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ) بفتح الحاء المهملة والنون بينهما ميم ساكنة، أختُ أمِّ المؤمنين زينب بنت جحشٍ (فِي نَاسٍ آخَرِينَ لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ) أي: بأسمائهم (غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ) عشرةٌ أو ما فوقها إلى الأربعين (كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى) في سورةِ النُّور: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ}[النور:11] (وَإِنَّ كُـِبْرَ ذَلِكَ) بضم الكاف وكسرها، أي: وأنَّ متولِّي معظمهِ (يُقَالُ: عَبْدُ اللهِ) ولأبي ذرٍّ: ”يقالُ له: عبدُ الله“ (بْنُ أُبَيٍّ) بالتنوين (ابْنُ سَلُولَ).
          (قَالَ عُرْوَةُ) _بالسَّند السَّابق_: (كَانَتْ عَائِشَةُ) ♦ (تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ) بضم التحتية وفتح السين المهملة وتشديد الموحدة (عِنْدَهَا حَسَّانُ) بنُ ثابت ☺ (وَتَقُولُ: إِنَّهُ الَّذِي قَالَ: فَإِنَّ أَبِي) ثابتًا (وَوَالِدَهُ) منذِرًا (وَعِرْضِي) بكسر العين / المهملة، موضعُ المدحِ والذَّمِّ من الإنسانِ، سواءٌ كان في نفسهِ أو سلفهِ أو من يُنسب إليه (لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ).
          (قَالَتْ عَائِشَةُ) ♦ : (فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ) فمرضتُ (حِينَ قَدِمْتُ) المدينةَ (شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ) بضم التحتية، يخوضون (فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهْوَ يَرِيْبُنِي) بفتح التحتية الأولى وسكون الثانية بينهما راء مكسورة، يوهمني (فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ) وفي «كتابِ الشهادات» [خ¦2661] «أنِّي لا أرى» (مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم اللُّطْفَ) بضم اللام وسكون الطاء، ولأبي ذرٍّ في الأصل المرويِّ عنه من روايةِ ابن الحُطيئة ”اللَّطَف(12)“ بفتح اللام والطاء، أي: الرِّفق (الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلعم فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَلِكَ يَرِيبُنِي، وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ) بفتح النون والقاف وسكون الهاء أفقْتُ منَ المرضِ (فَخَرَجْتُ مَعَ) بسكون الجيم، ولأبي ذرٍّ ”فخرجَتْ مَعِي“ (أُمِّ مِسْطَحٍ) بفتح الجيم، و«مِسْطح» بكسر الميم وسكون المهملة (قِبَلَ المَنَاصِعِ) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: جهةَ المناصعِ _بالصاد والعين المهملتين_ موضعٌ خارج المدينة‼ (وَكَانَ) المناصعُ (مُتَبَرَّزَنَا) موضعَ قضاءِ(13) حاجتنَا (وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ) الأمكنةَ المتَّخذةَ لقضاءِ الحاجة (قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا. قَالَتْ: وَأَمْرُنَا) في التَّبرُّزِ (أَمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ فِي البَرِّيَّةِ) خارجَ المدينة (قِبَلَ الغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا. قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهْيَ) سلمى (ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ المُطَّلِبِ) بضم الراء وسكون الهاء، واسمه: أنيس (بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) ╩ ، وسقطَ قوله «الصِّدِّيق» لأبي ذرٍّ (وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ المُطَّلِبِ) بفتح العين وتشديد الموحدة(14) (فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي) أي: جهتهُ (حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ) بمثلثةٍ وفتحات (أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا) بكسر الميم، أي: كِسائها (فَقَالَتْ: تَعَسَ) بفتح العين، ولأبي ذرٍّ ”تعِسَ“ بكسرها (مِسْطَحٌ) كُبَّ لوجههِ أو هلك (فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟! فَقَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ) بسكون الهاء، ولأبي ذرٍّ: بضمها(15)، يا هذه (وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ) مسطحٌ؟ (قَالَتْ) عائشة ♦ : (وَقُلْتُ) لها: (مَا) ولأبي ذرٍّ ”ومَا“ (قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ. قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلعم فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟) بتشديد الياء (قَالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الخَبَرَ) الذي سمعتهُ (مِنْ قِبَلِهِمَا) أي: من جهتهما (قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ صلعم ) في ذلك فأتيتهما (فَقُلْتُ لأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ) بفوقيةٍ بعد الميم (مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ) به؟ (قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ) ولأبي ذرٍّ: بالكسرِ (هَوِّنِي عَلَيْكِ) الشَّأنَ (فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً) أي: حسنةً جميلةً (عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ) بتشديدِ المثلثة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”إلَّا أكثرنَ“ (عَلَيْهَا) القولَ في عيبها ونَقْصِها، والمرادُ: بعضُ أتباعِ ضرائرها، كحمنةَ بنتِ جحشٍ أختِ زينبَ، أو نساءُ ذلك الزَّمان، فالاستثناءُ منقطعٌ؛ لأنَّ أمهاتِ المؤمنين لم يعبنها.
          (قَالَتْ) عائشة ♦ : (فَقُلْتُ) متعجبةً من ذلك: (سُبْحَانَ اللهِ! أَوَلَقَدْ) بهمزةِ الاستفهام (تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ) بالقاف والهمز، لا ينقطعُ (لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ) لأنَّ الهمومَ موجبةٌ للسَّهرِ وسيلانِ الدُّموع (ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلعم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) ☺ (وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ) بالرَّفعِ، أي: حينَ طالَ لبثُ نزولهِ حال كونه (يَسْأَلُهُمَا) عن ذلك (وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ) لم تقلْ: في فراقِي؛ لكراهتها التَّصريحَ بإضافةِ الفراقِ إليها (قَالَتْ: فَأَمَّا‼ أُسَامَةُ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ) أي: من الودِّ (فَقَالَ أُسَامَةُ): همْ (أَهْلُكَ) العفائف(16) / ، كذا: «أهلُكَ» بالرفع لأبي ذرٍّ، ولغيرهِ: ”أهلَكَ“ بالنَّصبِ، أي: أمسِك أهلكَ (وَلَا نَعْلَمُ) عليهم (إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ) بالتَّذكير على إرادةِ الجنسِ (وَسَلِ الجَارِيَةَ) بريرةَ، ولعلَّها كانت تخدمُ عائشةَ ♦ حينئذٍ قبل شرائها، أو كانت اشترتها وأخَّرتْ عتقَها إلى بعد الفتحِ (تَصْدُقْكَ) بالجزمِ على الجزاءِ، وهي لم تعلمْ منها إلَّا البراءةَ فتخبرك (قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلعم بَرِيرَةَ فَقَالَ: أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟) أي: من جنسِ ما قيل فيها (قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ) بغين معجمة وصاد مهملة، أي: أعيبهُ عليها (غَيْرَ أَنَّهَا) ولأبي ذرٍّ وابنِ عساكرٍ ”أكثرَ مِن أنَّها“ (جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ) بكسر الجيم، الشَّاة، وقيل: كلُّ ما يألف البيوتَ شاة أو غيرها(17) (فَتَأْكُلُهُ. قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهْوَ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي) أي: من يقومُ بعذري إن كافأتهُ على قبيحِ فعلهِ ولا يلُمني؟ أو من ينصُرني (مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا) هو صفوانُ بن المُعطِّل (مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي. قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ) سقطَ لأبي ذرٍّ وابن عساكر «ابنُ معاذٍ» (أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَعْذِرُكَ) بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة، منه (فَإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ) قبيلتُنا (ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ) فيه (قَالَتْ) عائشةُ ♦ (فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ) بن ثابت (بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ) بالذال المعجمة (وَهْوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهْوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ. قَالَتْ: وَكَانَ) ولأبي ذرٍّ ”فكانَ“ (قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا) كاملًا في الصَّلاحِ، لم يتقدَّم منه ما يتعلَّق بالوقوفِ مع أنَفَة الحميَّة، ولم تغمصْهُ في دينه، ولكن(18) كان بين الحيَّينِ مشاحَّةٌ قبلَ الإسلام، ثمَّ زالتْ وبقيَ بعضُها بحكم الأنفةِ، كما قالت (وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ) من مقالةِ سعد بنِ معاذ (الحَمِيَّةُ) أغضبَتْه (فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ، لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ) لأنَّا نمنَعك منه (وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ _وَهْوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ_ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ) ولو كان من الخزرجِ، إذا أمَرَنا رسولُ الله صلعم بذلك، وليست لكُم قدرةٌ على منعِنَا، وقابَل قولهُ لابن معاذٍ: «كذبتَ لا تقتُلُه»، بقولهِ: «كذبْتَ لنقتُلنَّه» (فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ) في الودِّ (تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ)‼ ولم يُرِدْ نفاقَ الكفرِ، بل إظهارهُ الودَّ للأوسِ، ثمَّ ظهرَ منه في هذه القصَّةِ خلافُ ذلك.
          (قَالَتْ: فَثَارَ الحَيَّانِ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ) بالمثلثة، أي: نهضَ بعضُهم إلى بعضٍ من الغَضَب (حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللهِ صلعم قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ. قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلعم يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ) ╕ (قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ) أبو بكرٍ وأمُّ رُومانٍ (عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى إِنِّي لأَظُنُّ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا) بغير ميم (أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ) لم تسمَّ (فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي) أي: تفجُّعًا لِمَا نزلَ بها (قَالَتْ: فَبَيْنَا) بغير ميم (نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ. قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا) بفتح القاف وسكون الموحدة (وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي) هذا (بِشَيْءٍ) لِيُعْلَمَ المتكلِّمُ من غيره (قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صلعم حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً) ممَّا نسبوهُ إليكَ (فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ) ╡ منهُ بوحي ينزلُه (وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ) أي: وقعَ منكِ على خلافِ العادةِ (فَاسْتَغْفِرِي اللهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ) منه (فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ) بذنبهِ (ثُمَّ تَابَ) منه (تَابَ اللهُ عَلَيْهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلعم مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي) بالقاف واللام / المفتوحتين(19) والصَّادِ المهملةِ، انقطعَ؛ لأنَّ الحزنَ والغضبَ إذا أخذا حدَّهما فُقِد الدَّمعُ؛ لفرطِ حرارةِ المصيبةِ (حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صلعم عَنِّي) وسقطَ لفظُ «عنِّي» لأبي ذرٍّ وابنِ عساكر (فِيمَا قَالَ. فَقَالَ أَبِي: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صلعم . فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ صلعم فِيمَا قَالَ. قَالَتْ أُمِّي: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صلعم . فَقُلْتُ _وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ كَثِيرًا_: إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي) ولأبي ذرٍّ ”لا تُصدِّقُونَنِي“ (وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي) بضم القاف وتشديد النون (فَوَاللهِ لَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ) يعقوب ♂ (حِينَ قَالَ) في تلكَ المحنةِ: ({فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}) لا جزعَ منه ({وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف:18] ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ(20) عَلَى فِرَاشِي، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللهَ مُبَرِّئِي) اسم فاعل من التَّبرِئَة (بِبَرَاءَتِي) أي: تحوَّلت مقدِّرةً أنَّ الله تعالى يُبرئُنِي عند النَّاسِ بسببِ‼ براءتي في نفسِ الأمرِ، فالباءُ سببيَّةٌ، والجملةُ حاليةٌ مقدرةٌ (وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، وَلَكِنْ) بتخفيف النون ساكنة، ولأبي ذرٍّ ”ولكنِّي“ بتشديدها مكسورةً بعدها تحتية (كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صلعم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا، فَوَاللهِ مَا رَامَ) بالراء وألف بعدها ثم ميم، ما فارق (رَسُولُ اللهِ صلعم مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ) الوحيُ (فَأَخَذَهُ) ╕ (مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ) بضم الموحدة وفتح الراء والحاء المهملة ممدودًا: من الشِّدةِ من ثقلِ الوحي (حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ) بالمثناة الفوقية، ولابنِ عساكر ”لينْحَدِرُ“ بنون ساكنة بدل الفوقية، أي: لينصَبُّ (مِنْهُ مِنَ العَرَقِ مِثْلُ الجُمَانِ) بضم الجيم وتخفيف الميم مفتوحة، اللُّؤلؤ (وَهْوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ) صلوات الله وسلامه عليه (قَالَتْ: فَسُرِّيَ) بضم السين وتشديد الراء مكسورة، أي: أزيلَ وكُشِفَ (عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم وَهْوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللهُ) بفتح الهمزة وتشديد الميم (فَقَدْ بَرَّأَكِ) ممَّا نُسِبَ إليكَ بما أوحاهُ الله إليَّ من القرآنِ (قَالَتْ: فَقَالَتْ لِي أُمِّي) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”أمِّي لي“ بالتَّقديم والتَّأخير: (قُومِي إِلَيْهِ) زادَه اللهُ شرفًا وكرمًا لديه (فَقُلْتُ(21): وَاللهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، فَإِنِّي) بالفاء، ولابنِ عساكر ”وإنِّي“ (لَا أَحْمَدُ إِلَّا اللهَ ╡) الَّذي أنزلَ براءتي (قَالَتْ: وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ}[النور:11] العَشْرَ الآيَاتِ) ثبُتَ قولهُ: «{عُصْبَةٌ مِّنكُمْ}» لأبي ذرٍّ وابنِ عساكرٍ (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي) وتابَ إلى اللهِ من كانَ تكلَّم فيَّ من المؤمنين، وأقيمَ الحدُّ على من أُقيمَ عليه.
          (قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ) وسقط لفظُ «الصدِّيق» لأبي ذرٍّ (_وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ) إذ كان ابن خالةِ الصِّدِّيق (وَفَقْرِهِ_: وَاللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ. فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلَا يَأْتَلِ}) ولا يحلف ({أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ}) أي: الطَّول والإحسانِ والصَّدقةِ (إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[النور:22]) فكما تَغْفر يُغْفر لك (قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ) سقط لفظُ «الصِّدِّيق» لأبي ذرٍّ: (بَلَى وَاللهِ، إِنِّي لأُحِبُّ(22) أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي. فَرَجَعَ) بتخفيف الجيم (إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ) أمَّ المؤمنين (عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ لِزَيْنَبَ: مَاذَا عَلِمْتِ) على عائشةَ (أَوْ رَأَيْتِ) منها؟ (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحْمِي سَمْعِي) عن أن أقولَ: سمعتُ ولم أسمَعْ (وَبَصَرِي) من أن أقولَ: نظرتُ ولم أنظرْ (وَاللهِ مَا عَلِمْتُ) عليها (إِلَّا خَيْرًا‼. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهْيَ) أي: زينبُ (الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي) تضَاهِيني وتُفَاخِرني بِجمالها ومكانتِها عند النَّبيِّ صلعم (مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ / صلعم . فَعَصَمَهَا اللهُ) أي: حفظها (بِالوَرَعِ. قَالَتْ) عائشةُ: (وَطَفِقَتْ) بكسر الفاء، وجعلتْ (أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا) لأجلِها، فتذكرُ ما يقول أهلُ الإفكِ (فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ).
          (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) محمد بنُ مسلم _بالسَّند السَّابق_: (فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ(23) هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ. ثُمَّ قَالَ عُرْوَةُ) أي: ابنُ الزُّبير: (قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ) صفوانَ بنَ المعطَّلِ (الَّذِي قِيلَ لَهُ ما قِيلَ) من الإفكِ (لَيَقُولُ) متعجِّبًا ممَّا نسبوهُ إليه: (سُبْحَانَ اللهِ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ) أي: سترَهَا، وهوَ كنايةٌ عن عدمِ الجماعِ، وقد رويَ أنَّه كانَ حصورًا، وأنَّ معه مثلَ الهُدْبة (قَالَتْ) عائشةُ: (ثُمَّ قُتِلَ) أي: صفوان (بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ) شهيدًا.


[1] في (د) و(ب) و(س): «بالإفراد».
[2] «بضم العين»: ليست في (ص).
[3] في (ص) و(د): «وسقط».
[4] في (ص): «حديثه».
[5] في (ص): «في».
[6] في (م) زيادة: «هكذا في رواية المُستملي».
[7] في (م): «فاحتملوه».
[8] «بضم الميم وتشديد الطاء المفتوحة السلمي ثم الذكواني»: ليست في (ص).
[9] في (م): «متخلف».
[10] في (م): «حتى».
[11] قال البقاعيُّ: وأنا والله لا أظنُّ به ذلك أصلًا وإن جاءت تسميتُه في «الصَّحيح» فقد يخطئ الثقة لأسباب لا تُحصَى، كما يعرف ذلك مَن مارسَ نقدَ الأخبار، وكيف يظنُّ به ذلك ولا شُغل له إلَّا مدحُ النَّبيِّ صلعم والمدافعة عنه والذَّمُّ لأعدائه؟! وقد شهد رسول الله صلعم أنَّ جبريل عليه السَّلام معه، فأقسمُ بالله إنَّ الَّذي أيَّده جبريل ما كان لِيكِلَه إلى نفسِه في مثل هذه الواقعة، وقد سبقني إلى الذبِّ عنه الحافظ عماد الدِّين بن كثير الدِّمشقيُّ، وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البرِّ في «الاستيعاب»: وأنكر قومٌ أن يكون حسَّان خاض في الإفك وجُلِدَ فيه، وورد عن عائشة ♦ أنَّها برَّأته من ذلك.
[12] بهامش اليونينية: بفتح اللام والطاء، وضم اللام مع سكون الطاء، قاله عياض. وبسكون الطاء عند أبي ذر فيما رأيت في الأصل المروي عنه من رواية ابن الحطيئة. انتهى. وبهامش (ص) و(ل): قال في «النِّهاية»: «ولا أرى منه اللُّطْفَ الذي كنت أعرفه»: أي: الرِّفقَ والبرَّ، ويروى: بفتح اللام والطَّاء؛ لغة فيه.
[13] في (ص): «لقضاء».
[14] قوله: «وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بفتح العين وتشديد الموحدة»: ليست في (ص).
[15] في (د) و(م): «بسكون النون وقد تفتح، ولأبي ذرٍّ بضمِّها»، ولعله أراد ضم الهاء في رواية أبي ذر.
[16] في (م): «بالعفاف»، وفي (ص): «بالعفائف».
[17] قوله: «وقيل: كل ما يألف البيوت شاة أو غيرها»: ليست في (م) و(ص) و(د).
[18] في (ص): «لكن».
[19] في (ب): «المهملتين».
[20] في (ص): «فاضطجعت».
[21] في (س) زيادة: «لا».
[22] في (م): «أحب».
[23] في (م) زيادة: «الإفك وهؤلاء».